Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 26-31)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال المبرد العرب تقول لكل شيء يصل اليك بجارحة من الجوارح : ذق أي يصل معرفته اليك ، كما يصل اليك معرفة ما تذوقه بلسانك من حلو ومرّ ومنه قوله { فذاقوا وبال أمرهم } وقوله { ذق إنك أنت العزيز الكريم } والخزي هو المكروه والهوان ، وخزي فلان إذا وقع في المكروه ، فالخزي افراط الاستحيا ، يقال ما استحيا وما تخزى ، ورأيته خزيان نادماً ، قال الشاعر : @ ولا أنت دياني فتخزوني @@ قرأ ابن كثير ، وابو عمرو ، ويعقوب { ورجلا سالماً } على وزن ( فاعل ) معناه خالصاً لا يشركه فيه غيره لأن الله تعالى ضرب مثلا للمؤمن والكافر ، فشبه الكافر بشركاء متنازعين مختلفين ، والمؤمن من عبد إلهاً واحداً . الباقون { سلما لرجل } على المصدر من قولهم : سلم فلان لله سلماً بمعنى خلص له خلوصاً ، كما يقولون : ربح الرجل في تجارته ربحاً وربحاً : وسلم سلماً وسلماً وسلامة ، وتقديره ذا سلم ، فمعنى " أذاقهم الله " أي جعلهم يدركون الألم ، كما يدرك الذائق الطعام ، والخزي الذل الذي يستحيا من مثله بما فيه من الفضيحة ، وخزيهم في الحياة الدنيا هو ما فعله بهم من العذاب العاجل من إهلاكهم واستئصالهم الذي يبقى ذكره على الأبد . ثم قال تعالى { ولعذاب الآخرة أكبر } مما فعل بهم في دار الدنيا { لو كانوا يعلمون } صدق ما اخبرنا به . ثم اقسم تعالى بأن قال { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون } فالتذكر طلب الذكر بالفكر ، وهذا حث على طلب الذكر المؤدي إلى العلم ، والمعنى لكي يتذكروا ، ويتعظوا فيجتنبوا ما فعل من تقدم من الكفر والمعاصي ، لئلا يحلّ بهم كما حل بأولئك . وقوله { قرآناً عربياً } أي انزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج أي غير ذي ميل عن الحق بل هو مستقيم موصل إلى الحق ، ويقال في الكلام عِوج - بكسر العين - إذا عدل به عن جهة الصواب . والمثل علم شبه به حال الثاني بالاول . والمثال مقياس يحتذى عليه ، وإنما قال : ضربنا مثلا واحداً ، ولم يقل مثلين ، لأنهما جميعاً ضربا مثلا واحداً ، ومثله قوله تعالى { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } ولو ثني لكان حسناً - في قول الفراء - وقوله { لعلهم يتقون } معناه لكي يتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه . ثم قال تعالى { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } فالتشاكس التمانع والتنازع ، تشاكسوا في الأمر تشاكساً ، وفي الشركاء تشاكس في البيع ، وتدبير المملوك ونحو ذلك { ورجلا سلماً لرجل } فضرب المثل للموحد بعبادته الله تعالى وحده - عز وجل - والمشرك بعبادته غير الله - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد - { هل يستويان مثلا } في حسن الحال ، لا يستويان لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في امره . ثم قال { الحمد لله } يعني المستحق للشكر والثناء على الحقيقية هو الله تعالى { بل أكثرهم لا يعلمون } حقيقة ، لجهلهم بالله ومواضع نعمه . ثم قال لنبيه { إنك } يا محمد { ميت } أي عاقبتك الموت ، وكذلك هؤلاء لأن { كل نفس ذائقة الموت } { ثم إنكم } يبعثكم الله { يوم القيامة } ويحشركم يوم القيامة فتختصمون عند الله . ومعناه كل طائفة منكم ترد على صاحبتها يوم القيامة وتخاصمها ، فالاختصام رد كل واحد من الاثنين ما اتى به الآخر على وجه الانكار عليه . وقد يكون احدهما - محقاً والآخر مبطلا كالموحد والملحد . وقد يكونان جميعاً مبطلين كاختصام اليهودي والنصراني ، وقد يكونان جميعاً محقين إذا قطع كل واحد منهما على صواب اعتقاده دون غيره ، ويكون اختصامهم في الآخرة بذم رؤساء الضلالة في ما دعوهم اليه ودفع اولئك عن أنفسهم ، فيقول الاولون : لولا أنتم لكنا مؤمنين ويقول الرؤساء ما كان لنا عليكم من سلطان إلا أن دعوناكم فاستجبتم لنا . واقبل بعضهم على بعض يتلاومون . وقال ابن زيد : الاختصام يكون بين المؤمنين والكافرين . وقال ابن عباس : يكون بين المهتدين والضالين : والصادقين والكاذبين وقال ابو العالية : يكون بين أهل القبلة . ورجل مشكس إذا كان سيء الخلق . وقال السدي : هذا مثل ضربه الله لأوثانهم . وقال قتادة : هذا للمشرك تنازعه الشياطين مغريين بعضهم ببعض { ورجلا سالماً } وهو المؤمن أخلص الدعوة لله والعبادة ، وقال ابو عبيدة : متشاكسون الرجل الشكس ورجلا سالماً الرجل الصالح . وقال ابو عمرو : معناه خالصاً لله . وقال ابو علي : رجلا فيه شركاء يعني في إتباعه أو في شيعته .