Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 61-66)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ روح { وينجي الله } بالتخفيف . الباقون بالتشديد . وقرأ ابن كثير { تأمروني أعبد } مشددة النون مفتوح الياء . وقرأ نافع وابن عامر في رواية الداجوني خفيفة النون . وفتح الياء نافع ، ولم يفتحها ابن عامر . وقرأ ابن عامر في غير رواية الداجوني { تأمرونني } بنونين . الباقون مشددة النون ساكنة الياء . وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { بمفازاتهم } جماعة . الباقون { بمفازتهم } على واحدة . فمن وحده قال : هو بمنزلة السعادة والنجاة ، كما قال الله تعالى { بمفازة من العذاب } وقال قوم المفازة الصحراء ، فهي مهلكة وتسمى مفازة تفاؤلا ، كما قالوا - لمعوج الرجلين - احنف ، وللحبشي ابو البيضاء . وقال ابن الاعرابي : ليست مقلوبة بل المفازة المهلكة ، يقولون : فوز الرجل إذا هلك ومات . ومن قرأ { تأمرونني } فلأنه الأصل . ومن شدد أدغم احدى النونين في الأخرى . ومن خفف حذف احدى النونين ، كما قال الشاعر : @ تراه كالثغام يعل مسكا بسوء الغانيا إذا قليني @@ أراد قلينني فحذف . لما اخبر الله تعالى عن حال الكفار وأن الله يحشرهم يوم القيامة مسودة وجوههم ، وأن مقامهم في جهنم ، اخبر انه ينجي الذين اتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه ، ويخلصهم . وقوله { بمفازتهم } بمنجاتهم من النار بطاعاتهم التي أطاعوا الله بها . واصل المفازة المنجاة ، وبه سميت الفلاة مفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها ، كما سموا اللديغ سليما . ومن وحد فلأنه اسم جنس او مصدر يقع على القليل والكثير . ومن جمع أراد تخلصهم من مواضع كثيرة فيها هلاك الكفار وانواع عذابهم . وقوله { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } معناه إن هؤلاء المؤمنين الذين يخلصهم الله من عقاب الآخرة وأهوالها لا يمسهم عذاب أصلا ، ولا هم يغتمون على وجه . وقوله { لا يمسهم السوء } معناه نفياً عاماً لسائر انواع العذاب ، والعموم في قوله { ولا هم يحزنون } فيه تأكيد له ، وقيل : لئلا يظن ظان انه لما لم يمسهم العذاب جاز أن يمسهم بعض الغم ، ففي ذلك تفصيل واضح يزيل الشبهة . ثم اخبر تعالى انه خلق كل شيء ، ومعناه انه يقدر على كل شيء ، { وهو على كل شيء وكيل } أي له التصرف في ما يريد حافظ له ، وإن حملنا معنى الخلق على الاحداث ، فالمراد به { خالق كل شيء } من مقدوراته من الأجسام والاعراض . وقوله { له مقاليد السماوات والأرض } والمقاليد المفاتيح واحده ( مقليد ) كقولك : منديل ومناديل ، ويقال فى واحده ايضاً ( إقليد ) وجمعه ( أقاليد ) وهو من التقليد ، والمعنى له مفاتيح خزائن السموات والارض يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه عمن يشاء . وقوله { والذين كفروا بآيات الله } يعني كفروا بآياته من مقاليد السموات والارض وغيرها وقوله { أولئك هم الخاسرون } يعني هؤلاء الذين كفروا بأدلة الله وحججه { هم الخاسرون } ، لانهم يخسرون الجنة ونعيمها ويحصلون في النار وسعيرها . وقوله { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } أمر للنبي صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الكفار تأمروني أيها الكفار ان اعبد الاصنام من دون الله ايها الجاهلون بالله وبآياته ؟ ! والعامل في قوله { أفغير } على احد وجهين : احدهما - ان يكون { تأمروني } اعتراضاً ، فيكون التقدير : أفغير الله اعبد ايها الجاهلون في ما تأمروني . الثاني - ان لا يكون اعتراضاً ويكون تقديره : اتأمروني اعبد غير الله ايها الجاهلون في ما تأمروني فاذا جعلت { تأمروني } اعتراضاً ، فلا موضع لقوله { أعبد } من الاعراب ، لانه على تقدير اعبد ايها الجاهلون ، وإذا لم تجعله اعتراضاً يكون موضعه نصباً على الحال ، وتقديره اتأمروني عابداً غير الله ، فمخرجه مخرج الحال ومعناه ان اعبد ، كما قال طرفة : @ ألا ايهذا الزاجري احضر الوغا وأن اشهد اللذات هل انت مخلد @@ أي الزاجر أن احضر ، وحذف ( أن ) ثم جعل الفعل على طريقة الحال . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { ولقد أوحي إليك } يا محمد { وإلى الذين من قبلك } من الأنبياء والرسل { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } لثواب الله . وقال قوم : فيه تقديم وتأخير وتقديره : ولقد أوحي اليك لئن اشركت ليحبط عملك ، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك . وقال آخرون : هذا مما اجتزىء بأحد الخبرين عن الآخر ، كما يقول القائل : لقد قيل لزيد وعمرو ليذهبن ، ومعناه لقد قيل لزيد : ليذهبن وعمرو ليذهبن فاستغني بقوله وعمرو عن ان يقال ليذهبن بما صار لزيد . وليس في ذلك ما يدل على صحة الاحباط على ما يقوله اصحاب الوعيد ، لان المعنى في ذلك لئن اشركت بعبادة الله غيره من الاصنام لوقعت عبادتك على وجه لا يستحق عليها الثواب ، ولو كانت العبادة خالصة لوجهه لاستحق عليها الثواب ، فلذلك وصفها بأنها محبطة ، وبين ذلك بقوله { بل الله فاعبد } أي وجه عبادتك اليه تعالى وحده دون الأصنام ودون كل وثن { تكن من الشاكرين } الذين يشكرون الله على نعمه ويخلصون العبادة له . ونصب قوله { بل الله } بفعل فسره قوله { فاعبد } وتقديره اعبد الله فاعبد وقال الزجاج : هو نصب بقوله { فاعبد } وتقديره قد بلغت فاعبد الله وقال المبرد : ومعنى { ليحبطن } ليفسدن يقولون : حبط بطنه إذا فسد من داء معروف .