Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير ونافع وحمزة { أمن هو قانت } بتخفيف الميم . الباقون بتشديدها ، من خفف أراد النداء وتقديره يا من هو قانت . قال ابن خالويه : سمعت ابن الانباري يقول : ينادي العرب بسبعة الفاظ : زيد اقبل ، وازيد اقبل ويا زيد اقبل ، وها زيد أقبل ، وأيا زيد اقبل ، وأي زيد اقبل ، وهيا زيد اقبل . وانشد : @ هيا ظبية الوعشاء بين جلايد وبين النقاء أنت أم أم سالم @@ ويجري ذلك مجرى قول القائل : فلان لا يصوم ولا يصلي ، فيا من يصوم ويصلي ابشر . وقال ابو علي : النداء - هنا - لا وجه له . والمعنى أمن هو قانت كمن هو بخلاف ذلك ؟ ! لأنه موضع معادلة ، وإنما يقع في مثل هذا الموضع الجمل التي تكون اخبار وليس كذلك النداء . ويدل على الحذف قوله { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } لان التسوية لا تكون إلا بين شيئين وفى جملتين من الخبر . والمعنى أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله ، وقال أبو الحسن : القراءة بالتخفيف ضعيفة ، لأن الاستفهام إنما يبني على ما بعده ، ولا يحمل على ما قبله ، وهذا الكلام ليس قبله ما يبنى عليه إلا في المعنى ومن شدّد احتمل أمرين : احدهما - ان يريد أهذا خير أم من هو قانت . والثاني - ان يكون جعل ( أم ) بمنزلة ( بل ) والف الاستفهام ، وعلى هذا يكون الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه ، كما قال الشاعر : @ فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعاً @@ والمعنى لو أتانا غيرك ما صدقناه ، ولا أهتدينا فحذف . وقال تعالى { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } و { أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب } كل ذلك محذوف الجواب . والقانت الداعي ، والقانت الساكت ، والقانت المصلي قائماً وانشد : @ قانتاً لله يتلو كتبه وعلى عمد من الناس اعتزل @@ وقيل القانت الدائم على الطاعة لله في قول ابن عباس والسدي - . يقول الله عز وجل مخبراً عن حال الانسان وضعف يقينه وشدة تحوله من حال إلى حال إنه إذا مسه ضر من شدة فقر ومرض وقحط { دعا } عند ذلك { ربه منيباً إليه } أي راجعاً اليه راغباً فيه { ثم إذا خوله نعمة منه } فانه إذا أعطاه نعمة عظيمة ، فالتخويل العطية العظمية على جهة الهبة ، وهي المنحة قال ابو النجم : @ اعطى فلم ينجل ولم يبخل كوم الذرى من خول المخول @@ { نسي ما كان يدعوا إليه من قبل } يعني ترك دعاء الله ، كما كان يدعو في حال ضره ، قال الفراء : ويجوز أن تكون ( ما ) بمعنى ( من ) كما قال { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } { وجعل لله أنداداً } أي وسمى له تعالى أمثالا في توجيه عبادته اليها من الأصنام والاوثان { ليضل عن سبيله } فمن ضم الياء أراد ليضل بذلك غيره عن سبيل الحق . ومن فتح الياء اراد ليضل هو عن ذلك ، واللام لام العاقبة ، لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه وغرضهم أن يضلوا عن سبيل الله ، لكن عاقبتهم كان اليه . فقال الله تعالى لنبيه { قل } له يا محمد على سبيل التهديد { تمتع بكفرك قليلا } يعني مدة حياتك { إنك من أصحاب النار } في العاقبة ، وهم الذين يلزمون عذاب جهنم . ثم قال { أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً } فآناء الليل ساعات الليل واحدها آن ، وإنيّ بالياء { ساجداً وقائماً } أي في هاتين الحالتين { يحذر الآخرة } أي يخاف عذاب الآخرة { ويرجوا رحمة ربه } كمن خالف ذلك ، فانهما لا يتساويان ابداً ، ثم قال { قل } لهم على وجه الانكار عليهم { هل يستوي الذين يعلمون } الحق ويعملون به { والذين لا يعلمون } ولا يعملون به ، فانهما لا يتساويان أبداً { إنما يتذكر } في ذلك { أولوا الألباب } أي ذوو العقول وروى جابر عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير هذه الآية انه قال : نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { يا عبادي الذين آمنوا } بالله وصدقوا بوحدانيته وأقروا برسله { اتقوا ربكم } أي عقاب ربكم باجتناب معاصيه . ثم قال { للذين أحسنوا } يعني فعلوا الأفعال الحسنة وأحسنوا إلى غيرهم جزاء لهم على ذلك { في هذه الدنيا حسنة } يعني ثناء حسن وذكر جميل ومدح وشكر ، وقيل : صحة وسلامة وعافية ، ذكره السدي { وأرض الله واسعة } فتهاجروا فيها عن دار الشرك - في قول مجاهد - وقيل : أرض الله يعني أرض الجنة واسعة { إنما يوفى الصابرون أجرهم } وثوابهم على طاعتهم وصبرهم على شدائد الدنيا { بغير حساب } أي لكثرته لا يمكن عده وحسابه . وقيل : إن معناه إنهم يعطون من المنافع زيادة على ما يستحقونه على وجه التفضل ، فكان ذلك بغير حساب أي بغير مجازاة بل تفضل من الله تعالى .