Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 6-7)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ السوسي ، وابن فرج ، وهبة عن الاخفش والترمذي إلا ابن فرج ، ومدين من طريق عبد الله بن سلام ، والبرجمي وخلف - بضم الهاء ووصلها بواو في اللفظ . الباقون - بضم الهاء من غير اشباع - وهذا خطاب من الله تعالى لجميع خلقه من البشر ، يقول لهم على وجه تعداد نعمه عليهم وامتنانه لديهم { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم لأن جميع البشر من نسل آدم . وقوله { ثم جعل منها زوجها } قيل : أنه خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم . وقال قوم : خلقها من فضل طينته . وفى قوله { ثم جعل منها زوجها } و ( ثم ) تقتضي التراخي والمهملة ، وخلق الوالدين قبل الولد ، وذلك يقتضي أن الله تعالى خلق الخلق من آدم ثم بعد ذلك خلق حواء ، وذلك بخلاف المعلوم ، لأن خلق حواء كان قبل خلق ولد آدم ، فيه ثلاثة اقوال : احدها - ان الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر . ثم خلق بعد ذلك حواء من ضلع من اضلاع آدم - على ما روي في الاخبار - وهذا ضعيف لما بيناه في غير موضع في ما مضى . والثاني - ان ذلك وإن كان مؤخراً في اللفظ فهو مقدم في المعنى ، ويجري مجرى قول القائل : قد رأيت ما كان منك اليوم ثم ما كان منك أمس ، وإن كان ما كان امس قبل ما يكون اليوم . والثالث - انه معطوف على معنى واحدة كأنه قال من نفس واحدة بمعنى اوجدها . وقيل : إنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله { زوجها } غير حواء ، بل يريد المزدوج من نسل آدم من الذكور والاناث ، فكأنه قال تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } وهي آدم عليه السلام ثم جعل المزدوج من نسل هذه النفس ، وهذا لا محالة متأخر عن خلق النفس الواحدة التى هي آدم . وقيل ايضاً : إن سبب دخول ( ثم ) أن الاعتداد بهذه النعمة ، والذكر لها على الامتنان ، انما كان بعد ذكر خلقنا من نفس واحدة ، فكأنه قال : هو الذي ذكر لكم واعتد عليكم بأنه خلقكم من نفس واحدة ، ثم عطف على هذا الاعتداد والامتنان ذكر نعمة اخرى ، وهي ان زوج هذه النفس المخلوقة مخلوقة منها . فزمان الخلق المزوج وإن كان متقدماً ، فزمان ذكره والاعتداد به متزاوج ، وزمان الذكر للنعم والاعتداد بها غير الترتيب في زمان الايجاد والتكوين ، كما يقول احدنا لغيره : لي عليك من النعم كذا اليوم ، ثم كذا امس ، وإن كان المعطوف متقدماً على المعطوف عليه إذا كان زمان الامتنان بذلك على خلاف ترتيب زمان ايصال النعم . وقيل : إن المراد بـ ( ثم ) الواو ، فانه قد يستعمل الواو بمعنى ( ثم ) و ( ثم ) بمعنى الواو ، لأن معنى الجمع الانضمام ، وإن أراد بعضه على بعض . قال الله تعالى { فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد } ومعناه والله شهيد . وقوله { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } قال الحسن : معناه وجعل لكم منها . وقال : أنزلها بعد ان خلقها في الجنة ويعني بها ، الابل ، والبقر ، والضان ، والمعز من كل صنف اثنين . وهما زوجان . وهو قول قتادة ومجاهد والضحاك . وقوله { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق } قال قتادة ومجاهد والضحاك والسدي : معناه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم يكسي العظام لحماً ثم ينشىء خلقاً آخر . وقال ابن زيد : معناه الخلق في بطون الأمهات بعد الخلق في ظهر آدم . وقوله { في ظلمات ثلاث } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد : يعني ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة . وقيل : صلب الرجل وظلمة الرحم . ثم خاطب خلقه فقال { ذلكم الله ربكم } يعني الذي خلق ما ذكره هو الذي أنشاكم وهداكم ويملك التصرف فيكم { له الملك } على جميع المخلوقات { لا إله إلا هو } مستحق للعبادة { فأنى تصرفون } المعنى تؤفكون أي كيف تنقلبون عن ذلك إلى اتخاذ الآلهة سواه . ثم قال تعالى مخاطباً لهم { إن تكفروا فإن الله غني عنكم } ومعناه إن تجحدوا نعم الله فلا تشكروه ، فان الله غني عن شكركم { ولا يرضى لعباده الكفر } وفى ذلك دلالة على ان الكفر ليس من فعل الله ، ولا بارادته ، لانه لو كان مريداً له لكان راضياً به ، لأن الرضا هو الارادة اذا وقعت على وجهه . ثم قال { وإن تشكروا يرضه لكم } أي ان تشكروا نعمه وتعترفوا بها يرضه لكم ويريده منكم ويثيبكم عليه . واشباع الهاء أجود ، لان الهاء أولها متحرك مثل { خيراً يره و … شراً يره } والهاء اذا انفتح ما قبلها في نحو الفعل لم يجز الا الاشباع كقولهم كهلهو والهاء { في يرضه } كناية عن المصدر الذي دل عليه { وإن تشكروا } كقولهم : من كذب كان شراً له أي كان الكذب شراً له . وشكر الله لعبده هو اثابته على الشكر والطاعات ، والشكر من العبد الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم . ومن أسكن الهاء قال ابو الحسن : هي لغة كقول الشاعر : @ ونضواي مشتاقان له أرقان @@ فعلى هذه اللغة يحمل دون أن يجري الوصل مجرى الوقف . وقوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } معناه لا يؤاخذ بالذنب الا من يفعله ويرتكبه ، ولا يؤاخذ به غيره ، وذلك نهاية العدل . وفى ذلك دلالة على بطلان قول المجبرة في ان الله تعالى يعذب اطفال الكفار بكفر آبائهم . وقوله { ثم إليه مرجعكم } ومعناه إن مصيركم يوم القيامة إلى حيث لا يملك الامر والنهي سواه { فينبئكم بما كنتم تعملون } أي يخبركم بما عملتموه ويواقفكم عليه ويجازيكم بحسب ذلك ، انه عليم بذات الصدور لا يخفى عليه شيء لا سرّ ولا علانية .