Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة والحجة : قرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو بكر ، عن عاصم : يوصى - بفتح الصاد - الباقون بكسرها ، وهو الاقوى ، لقوله : { مما ترك إن كان له ولد } فتقدم ذكر الميت ، وذكر المفروض مما ترك ، ومن فتحها فلأنه ليس لميت معين ، وإنما هو شائع في الجميع . سبب النزول والقصة : وقيل في سبب نزول هذه الآية قولان : أحدهما - قال السدي ، وابن عباس : إن سبب نزولها ، أن القوم لم يكونوا يورثون النساء والبنات والبنين الصغار ، ولم يورثوا إلا من قاتل وطاعن ، فأنزل الله الآية ، وأعلمهم كيفية الميراث . وقال عطاء ، عن ابن عباس ، وابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، إنهم كانوا يورثون الولد ، وللوالدين الوصية ، فنسخ الله ذلك . وقال محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : كنت عليلا مدنفا ، فعاده النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ونضح الماء على وجهه فأفاق ، وقال : يا رسول الله ، كيف أعمل في مالي : فأنزل الله الآية . وروي عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ ذلك بهذه الآية . المعنى : وهذه الآية عامة في كل ولد يتركه الميت ، وان المال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ، وكذلك حكم البنت والبنتين . والبنت لها النصف ، ولهما الثلثان على كل حال ، إلا من خصه الدليل من الرق ، والكفر ، والقتل ، فانه لا خلاف أن الكافر ، والمملوك ، والقاتل عمداً ، لا يرثون ، وإن كان القائل خطأ ، ففيه الخلاف وعندنا يرث من المال دون الدية . فأما المسلم فانه عندنا يرث الكافر ، وفيه خلاف ، ذكرناه في مسائل الخلاف ، والعبد لا يورث لأنه لا يملك شيئاً ، والمرتد لا يرث وميراثه لورثته المسلمين ، وهذا قول علي ( ع ) . وقال سعيد بن المسيب : نرثهم ولا يرثونا وبه قال معاوية ، والحسن ، وعبد الله بن معقل ، ومسروق وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " لا يتوارث أهل ملتين " معناه : لا يرث كل واحد منهما صاحبه ، فانا نقول : المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم ، فلم تثبت حقيقة التوارث بينهما . ومعنى : { يوصيكم الله } فرض عليكم ، لأن الوصية من الله فرض ، كما قال : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به } يعني فرض ، عليكم ، ذكره الزجاج ، وإنما لم يعدّ قوله : { يوصيكم } إلى ( مثل ) فينصبه ، لأنه كالقول في حكاية الجملة بعده ، والتقدير : قال الله : { في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } ولأن الغرض بالآية الفرق بين الموصى به والموصى له ، في نحو أوصيت زيداً بعمرو . وقوله : { فإن كن نساء فوق اثنتين } فالظاهر يقتضي أن الثنتين لا يستحقان الثلثين ، وإنما يستحق الثلثان إذا كن فوق اثنتين ، لكن أجمعت الأمة أن حكم البنتين حكم من زاد عليهما من البنات ، فتركنا له الظاهر . وقال أبو العباس المبرد ، واختاره إسماعيل بن اسحاق القاضي : إن في الآية دليلا على أن للبنتين الثلثين ، لأنه إذا قال : { للذكر مثل حظ الأنثيين } وكان أول العدد ذكراً وأنثى ، للذكر الثلثان وللأنثى الثلث علم من ذلك أن للبنتين الثلثين ، وأعلم الله أن ما فوق البنتين لهن الثلثان . وحكى الزجاج عمن قال : ذلك معلوم ، بقوله تعالى : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فجعل للأخت النصف ، كما جعل للبنت النصف ، ثم قال : { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان } فأعطيت البنتان الثلثين ، كما أعطيت الاختان الثلثين وأعطي جملة الأخوات الثلثين ، فكذلك جملة البنات . وذكر عن ابن عباس : أن البنتين بمنزلة البنت ، وإنما استحق الثلثين الثلاث بنات فصاعداً . وحكى النظام ، في كتاب النكت ، عن ابن عباس : أن للبنتين نصفاً وقيراطاً ، قال : لأن للبنت الواحدة النصف ، وللثلاث بنات الثلثين ، فينبغي أن يكون للبنتين ما بينهما ، ثم يشتركان في النصف وقيراط بالسوية . وقوله : { وإن كانت واحدة فلها النصف } يدل على أن فاطمة ( ع ) كانت مستحقة للميراث ، لأنه عام في كل بنت ، والخبر المدعي في أن الأنبياء لا يورثون خبر واحد ، لا يترك له عموم الآية لأنه معلوم لا يترك بمظنون . وقوله : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ليس في ذلك خلاف ، وكذلك إن كان واحد من الابوين مع الولد ، كان له السدس بالتسمية ، بلا خلاف ، ثم ينظر ، فان كان الولد ذكراً ، كان الباقي للولد واحداً كان أو أكثر ، بلا خلاف ، وكذلك إن كانوا ذكوراً واناثاً فالمال بينهم ، { للذكر مثل حظ الأنثيين } وإن كانت بنتاً كان لها النصف ، ولأحد الأبوين السدس ، والباقي عندنا يرد على البنت وأحد الأبوين على قدر سهامهما ، أيهما كان ، لأن قرابتهما سواء ، ومن خالفنا يقول : إن كان أحد الأبوين اباً كان الباقي له ، لأنه عصبة وإن كانت أماً ففيهم من يقول بالرد على البنت وعلى الأم ومنهم من يقول : الباقي لبيت المال ، وإنما رددنا عليهما لقوله : { وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وها هنا هما متساويان ، لأن البنت تتقرب بنفسها إلى الميت ، فكذلك أحد الأبوين ، والخبر المدعى في أن ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر ، خبر ضعيف ، بينا وجهه في تهذيب الاحكام ، لا يخص به عموم القرآن . وقوله { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } فمفهومه أن الباقي للأب وليس فيه خلاف ، فان كان في الفريضة زوج كان له النصف ، وللأم الثلث بالظاهر ، وما بقى فللأب . ومن قال : للأم ثلث ما يبقي ، فقد ترك الظاهر ، وبمثل ما قلناه قال ابن عباس ، فان كان بدل الزوج زوجة ، كان الأمر مثل ذلك ، للزوجة الربع ، وللأم الثلث ، والباقي للأب ، وبه قال ابن عباس ، وابن سيرين . قوله : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ففي أصحابنا من يقول : إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب لأن التقدير : فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ، فان كان له إخوة وورثه أبواه فلأمه السدس ، ومنهم من قال : إن لها السدس مع وجود الاخوة ، سواء كان هناك أب أو لم يكن ، وبه قال جميع الفقهاء ، غير أنا نقول : إن كان هناك أب ، كان الباقي للأب ، وإن لم يكن أب كان الباقي رداًّ على الأم ، ولا يرث - أحد من الاخوة والأخوات مع الأم شيئاً ، سواء كانوا من قبل أب وأم أو من قبل أب ، أو من قبل أم - على حال ، لأن الأم أقرب منهم بدرجة ، ولا يحجب عندنا من الاخوة إلا من كان من قبل الأب والأم ، أو من قبل الأب ، فأما من كان من قبل الأم فحسب ، فانه لا يحجب على حال ، ولا يحجب أقل من أخوين ، أو أخ وأختين ، أو أربع أخوات ، فأما الأختان فلا يحجبان على حال ، وخالفنا جميع الفقهاء في ذلك فأما الأخوان فلا خلاف أنه تحجب بهما الأم عن الثلث إلى السدس ، إلا ما قال إبن عباس : أنه لا يحجب بأقل من ثلثة ، لقوله : { إخوة } والثلاثة أقل الجمع ، وحكي عن ابن عباس أيضاً : أن ما يحجبه الاخوة من سهم الأم من الثلث إلى السدس ، يأخذه الاخوة دون الأب ، وذلك خلاف ما أجمعت الأمة عليه ، لأنه لا خلاف أن أحداً من الاخوة لا يستحق مع الابوين شيئاً ، وإنما قلنا إن اخوة بمعنى أخوين للأجماع من أهل العصر على ذلك ، وأيضاً فانه يجوز وضع لفظ الجمع في موضع التثنية إذا اقترنت به دلالة ، كما قال : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } ويقول القائل : ضربت الرجلين أرؤسهما ، ومن أخويك ظهورهما . فان قيل : لم حجب الاخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب ؟ قلنا : قال قتادة : معونة للأب ، لأنه يقوم بنفقتهم ، ونكاحهم ، دون الأم ، وهذا بعينه رواه أصحابنا ، وهو دال على أن الاخوة من الأم لا يحجبون ، لأن الأب لا يلزمه نفقتهم على حال ، وقوله : { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً } معناه : لا تعلمون أيهم أقرب لكم نفعاً في الدين والدنيا ، والله يعلمه ، فاقسموه على ما بيّنه من يعلم المصلحة فيه . وقال بعضهم : الأب يجب عليه نفقة الابن إذا احتاج إليها ، وكذلك الابن يجب عليه نفقة الأب مع الحاجة ، فهما في النفع في هذا الباب سواء ، لا تدرون أيهم أقرب نفعاً . وقيل : لا تدرون أيكم يموت قبل صاحبه ، فينتفع الآخر بماله . فان قيل : كيف قدم الوصية على الدين في هذه الآية وفي التي بعدها ، مع أن الدين يتقدم عليها بلا خلاف ؟ قلنا : لأن ( أو ) لا توجب الترتيب ، وإنما هي لأحد الشيئين ، فكأنه قال : من بعد أحد هذين ، مفرداً أو مضموماً إلى الآخر كقولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين ، أي جالس أحدهما مفرداً أو مضموماً إلى الآخر ويجب البدأة بالدين ، لأنه مثل رد الوديعة التي يجب ردها على صاحبها ، فكذلك حال الدين ، وجب ره أولاً ، ثم يكون بعده الوصية ، ثم الميراث . وما قلنا اختاره الجبائي ، والطبري ، وهو المعتمد عليه في تأويل الآية . وقوله : { فريضة من الله } نصب على الحال من قوله : { لأبويه } وتقديره : فلهؤلاء الورثة ما ذكرناه مفروضاً ، ف { فريضة } مؤكدة لقوله : { يوصيكم الله } هذا قول الزجاج ، وقال غيره : هو نصب على المصدر من قوله : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فرضاً مفروضاً . وقال غيره : يجوز أن يكون نصباً على التمييز من قوله : { فلأمه السدس } فريضة ، كما تقول : هو لك صدقة ، أوهبة . والثلث ، والربع ، والسدس ، يجوز فيه التخفيف والتثقيل ، فالتخفيف لثقل الضمة ، وقال قوم : الأصل فيها التخفيف ، وإنما ثقل للاتباع ، قال الزجاج : هذا خطأ لأن الكلام وضع على الايجاز بالتخفيف عن التثقيل . وقوله : { إن الله كان عليماً حكيماً } قيل في معناه ثلاثة أقوال : أحدها - قال سيبويه : كان القوم شاهدوا علماً : وحكمة ، ومغفرة ، وتفضلا ، فقيل لهم : { إن الله كان عليماً حكيماً } لم يزل على ما شاهدتم عليه . والثاني - قال الحسن : كان الله عليما بالأشياء قبل حدوثها ، حكيما فيما يقدره ويدبره منها . الثالث - قال بعضهم : الخبر عن هذه الأشياء بالمضي ، كالخبر بالاستقبال والحال ، لأن الأشياء عند الله على كل حال فيما مضى وما يستقبل . وإنما قال في تثنية الأب والأم : أبوان تغليباً للفظ الأب ، ويقال أيضاً للأم أبة ، ولا يلزم على ذلك أن يقال : في إبن وإبنة : إبنان ، لأنه يوهم ، فان لم يوهم جاز ذلك ذكره الزجاج .