Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 131-134)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر الله قوله : وأن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته بين فى هذه الآية بان له ملك ما في السموات وما في الارض ، لا يتعذر عليه إغناء كل واحد من الزوجين عند التفرق ، وإيناسه من وحشته ثم رجع إلى توبيخ من سعى في أمر بني أبيرق وتعنيفهم ، ووعيد من فعل فعل المرتد منهم ، فقال : ولقد وصينا أهل التوراة والانجيل وهم الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أي وأمرناكم أيضاً أيها الخلق { أن اتقوا الله } والتقدير بان اتقوا الله وأحذروا أن تعصوه ، وتخالفوا أمره ونهيه { وإن تكفروا } يعني تجحدوا وصيته إياكم أيها المؤمنون ، فتخالفوها ، { فإن لله ما في السماوات وما في الأرض } يعني له ملك ما فيهما ، فلا يستحضر بخلافكم وصيته ولا ان تكونوا أمثال اليهود والنصارى ، بل تضرون انفسكم بما يحل بكم من عقابه ، وغضبه { وكان الله غنياً } لم يزل ، غير محتاج إلى خلقه وإن الخلق هم المحتاجون إليه { حميداً } يعني مستوجب الحمد عليكم بصنائعه الحميدة إليكم ، والائه الجميلة ، فاستدعوا ذلك باتقاء معاصيه ، والمسارعة إلى طاعته فيما يامركم به وهذه الجملة مروية عن علي ( عليه السلام ) وهو قول جميع المفسرين ، ثم قال : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } بمعنى له ملك ما فيهما ، وهو القيم بجميعه والحافظ له لا يغرب عنه علم شيء ولا يؤوده حفظه وتدبيره { وكفى بالله وكيلاً } يعني كفى الله حافظاً . فان قيل لم كرر قوله : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } الآيتين ، احداهما عقيب الاخرى ؟ قلنا : لاختلاف الخبرين : الاول في الآية الاولى عن حاجة الخلق إلى بارئه ، وغناه تعالى عن خلقه ، وفي الثانية حفظ الله تعالى إياهم وعلمه بهم ، وتدبيره لهم فان قيل : هلا قال : وكان الله غنياً حميداً أو كفى به وكيلا ؟ قيل : ما ذكره في الآية الاولى يصلح ان يختم به وصف الله تعالى بالغناء وأنه محمود ، ولم يذكر فيها ما يقتضي وصفه بالحفظ والتدبير ، فلذلك كرر قوله : { ولله ما في السماوات } . وقوله : { إن يشأ يذهبكم } معناه ، ان يشأ الله ايها الناس ان يهلككم ، ويفنيكم ويأت بقوم آخرين غيركم ينصرون نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤازرونه ، كان الله تعالى على ذلك قديراً ، فوبخ تعالى بهذه الآيات الخائنين الذين خانوا الدرع وساعدوهم على ذلك ، ودافعوا عنهم وحذر أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكونوا مثلهم وان يفعلوا فعل المرتد منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين وبين أن من فعل ذلك لا يضر إلا نفسه ، لانه المحتاج إليه ( تعالى ) وغناه عنه ( عز وجل ) وعن جميع الخلق وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه لما نزلت هذه الآية ضرب بيده علي ظهر سلمان ، فقال : " هم قوم هذا " رواه ابو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أخبر ( تعالى ) من كان ممن أظهر الايمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل النفاق الذين يبطنون الكفر ، ويظهرون الايمان . يريد ثواب الدنيا يعني عرض الدنيا باظهاره بلسانه في الايمان ، { فعند الله ثواب الدنيا } يعني جزاؤه في الدنيا منها ، وثوابه فيها هو ما يأخذ من الفيء والغنيمة إذا شهد مع المسلمين الحرب ، وأمنه على نفسه وماله وذريته . وأما ثوابه في الآخرة فنار جهنم . { وكان الله سميعاً بصيراً } يعني انه كان لم يزل على صفة يجب ان يسمع المسموعات إذا وجدت ، ويبصر المبصرات إذا وجدت . وهذه الصفة هي كونه حياً لا آفة فيه والصفة حاصلة له في الازل والافات مستحيلة عليه ، فوجب وصفه بانه سميع بصير وانما ذكر ها هنا ذلك ، ليبين ان ما يقوله المنافقون اذا لقوا المؤمنين فان الله يسمعه ويعلمه وهو قولهم : إنا مؤمنون بصيراً بما يضمرونه وينطوون عليه من النفاق . وموضع كان في قوله : { من كان } جزم ، لانه شرط والجواب الفاء . وارتفعت ( يريد ) لانه ليس فيها حرف عطف كما قال : { من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها } وقال : { من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } جزم ، لأنه جواب الشرط .