Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 13-14)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة ، والحجة : قرأ نافع ، وابن عامر : ندخله بالنون في الموضعين ، الباقون بالياء ، فمن قرأ بالياء فلأن ما تقدم لفظ الغائب ومن قرأ بالنون عدل عن خطاب الغائب إلى الاخبار عن الله بنون العظمة ، كما قال : { بل الله مولاكم } وقال بعده : " سنلقي " فعدل عن الغائب . المعنى ، والاعراب : قال الفراء ، والزجاج : معنى { تلك } هذه ، كأنه قال هذه حدود الله واختلفوا في معنى الحدود ، فقال السدي : تلك شروط الله ، وقال ابن عباس : تلك طاعة الله ، وقال قوم : تلك فرائض الله وأمره ، وقال قوم : تلك تفصيلات الله لفرائضه ، وهو الأقوى ، لأن أصل الحد هو الفصل ، مأخوذاً من حدود الدار التي تفصلها من غيرها ، فمعنى الآية : هذه القسمة التي قسمها الله لكم ، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من أمواتكم حدود الله ، يعني فصول بين طاعة الله ومعصيته على ما قال ابن عباس ، والمعنى تلك حدود طاعة الله ، وانما اختص لوضوح المعنى للمخاطبين . فان قيل : إذا كان ما تقدم ذكره دل على أنها حدود الله ، فما الفائدة في هذا القول ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما - للتأكيد ، والثاني - أن الوجه في إعادته ما علق به من الوعد والوعيد الصريح . فان قيل : لم خصت الطاعة في قسمة الميراث بالوعد ، مع أنه واجب في كل طاعة إذا فعلت لوجه الوجوب ؟ قلنا : للبيان عن عظم موقع هذه الطاعة ، مع التذكير بما يستحق عليها ترغيباً فيها بوعد مقطوع . وقوله : { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } نصب على الحال . قال الزجاج والتقدير : يدخلهم مقدرين الخلود فيها ، والحال يستقبل فيها ، كما تقول : مررت برجل معه باز ، صائداً به غدا ، أي يقدِّر الصيد به غدا . وقوله : { وذلك الفوز العظيم } معناه الفلاح العظيم ، فوصفه بأنه عظيم ولم يبين بالاضافة إلى ماذا ، لأن المراد به أنه عظيم بالاضافة إلى منفعة الخيانة في التركة ، من حيث كان أمر الدنيا حقيراً بالاضافة إلى أمر الآخرة . وقوله : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده } معناه يعصي الله فيما بينه من الفرائض ، وأموال اليتامى ، { ويتعد } معناه : يتجاوز ما بين له ، { يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } وخالداً نصب على أحد وجهين : أحدهما - أن يكون حالا من الهاء في يدخله . والآخر - أن يكون صفة لنار في قول الزجاج ، كقولك : زيد مررت بدار ساكن فيها ، على حذف الضمير ، والتقدير : ساكن هو فيها ، لأن إسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لم يتضمن الضمير كما يتضمنه الفعل لو قلت : يسكن فيها . واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن فاسق أهل الصلاة مخلد في النار ، ومعاقب لا محالة ، وهذا لا دلالة لهم فيه من وجوه ، لأن قوله : { ويتعد حدوده } إشارة إلى من يتعدى جميع حدود الله ، ومن كان كذلك فعندنا يكون كافراً ، وأيضاً فلا خلاف أن الآية مخصوصة بصاحب الصغيرة ، وإن كان فعل المعصية ، وتعدى حداً فانه خارج منها ، فان جاز لهم إخراج الصغيرة منها لدليل ، جاز لنا أن نخرج من يتفضل الله عليه بالعفو ، أو يشفع فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وأيضاً فان التائب لا بد من إخراجه من هذه الآية لقيام الدلالة على وجوب قبول التوبة ، فكذلك يجب أن يشترط من يتفضل الله باسقاط عقابه ، فان قالوا : قبول التوبة واجب ، والعفو ليس بواجب ، قلنا : قبول التوبة واجب إذا حصلت ، وكذلك سقوط العقاب واجب إذا حصل العفو ، فان قالوا : يجوز أن لا يختار الله العفو ، قلنا : وكذلك يجوز ألا يختار العاصي التوبة ، فان جعلوا الآية دالة على أن الله لا يختار العفو ، جاز لغيرهم أن يجعل الآية دالة على أن العاصي لا يختار التوبة ، على أن هذه الآية معارضة بآيات كثيرة ، في وقوع العفو ، كقوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } على ما سنبينه فيما بعد . وقوله : { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } وقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } فان شرطوا في آياتنا التوبة ، شرطنا في آياتهم إرتفاع العفو ، والكلام في ذلك مستقصىً في الوعيد ، لا نطول بذكره هذا الكتاب . ويمكن - مع تسليم ذلك - أن تحمل الآية على من يتعدى الحدود مستحلا لها ، فانه يكون كافراً ، ويتناوله الوعيد ، على أن عند كثير من المرجئة العموم لا صيغة له ، فمن أين ان " من " يفيد جميع العصاة ؟ وما المنكر أن تكون الآية مختصة بالكفار .