Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة والحجة : قرأ أهل الكوفة { تساءلون به } بتخفيف السين ، الباقون بتشديدها ، وقرأ حمزة وحده { والأرحام } بجر الميم ، الباقون بفتحها . فمن قرأ من أهل الكوفة { تساءلون به } بالتخفيف فوجهه ان أصله تتساءلون ، فحذف احدى التاءين وهي الاصلية ، لأن الاخرى للمضارعة ، وانما حذفوها لاستثقالهم إياها في اللفظ فحذفت لأن الكلام غير ملتبس . ومن شدد أدغم احدى التاءين في السين ، لقرب مكان هذه من هذه . المعنى : ومعنى { تساءلون به } تطلبون حقوقكم به { والأرحام } القراءة المختارة عند النحويين النصب في الارحام على تقدير : واتقوا الارحام . وتكون معطوفة على موضع { به } ذكره أبو علي الفارسي ، فأما الخفض فلا يجوز عندهم إلا في ضرورة الشعر كما قال الشاعر أنشده سيبويه : @ فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والايام من عجب @@ فجرّوا الايام عطفاً على موضع الكاف في " بك " وقال آخر : @ نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف @@ فعطف الكعب على الهاء والالف في ( بينها ) وهو ظاهر على مكنى وقال آخر : @ وان الله يعلمني ووهباً وانا سوف نلقاه سوانا @@ فعطف وهباً على الياء في يعلمني ، ومثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام . قال المازني : لأن الثاني في العطف شريك للأول ، فان كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني جاز وإن لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له لم يجز ، قال : فكما لا تقول : مررت بزيد وذاك لا تقول مررت بك وزيد . وقال أبو علي الفارسي : لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه . ويفسد من جهة المعنى من حيث ان اليمين بالرحم لا يجوز ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " لا تحلفوا بآبائكم " فكيف تساءلون به وبالرحم على هذا وقال اسماعيل بن اسحاق : الحلف بغير الله أمر عظيم ، وان ذلك خاص لله تعالى ، وهو المروي في أخبارنا . وقال ابراهيم النخعي وغيره : انه من قولهم : نشدتك بالله وبالرحم . وقال ابن عباس ، والسدي ، وعكرمة ، والحسن ، والربيع ، والضحاك ، وابن جريج ، وابن زيد ، وقتادة : المعنى والارحام فصلوها . وهذه الآية خطاب لجميع المكلفين من البشر . وقوله : { واتقوا ربكم } فيه وعظ بان يتقى عصيانه بترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه . وحذر من قطع الارحام لما أراد من الوصية بالاولاد والنساء والضعفاء ، فأعلمهم انهم جميعاً من نفس واحدة ، فيكون ذلك داعياً لهم إلى لزوم أمره وحدوده في ورثتهم ومن يخلفون بعدهم ، وفي النساء والأيتام عطفاً لهم عليهم . ثم اخبر تعالى انه خلق الخلق من نفس واحدة فقال : { الذي خلقكم من نفس واحدة } والمراد بالنفس ها هنا آدم عند جميع المفسرين : السدي وقتادة ومجاهد وغيرهم . وقوله : { وخلق منها زوجها } يعني حوّاء . روي انها خلقت من ضلع من أضلاع آدم ، ذهب إليه أكثر المفسرين . وقال أبو جعفر ( ع ) : خلقها من فضل الطينة التي خلق منها آدم ، ولفظ النفس مؤنث بالصيغة ، ومعناه التذكير ها هنا ، ولو قيل نفس واحد لجاز . المعنى ، واللغة : وقوله : { وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } معنى بث نشر ، يقال : بث الله الخلق . ومنه قوله : { كالفراش المبثوث } وذلك يدل على بث . وبعض العرب يقول أبث الله الخلق ، ويقال بثثتك سري ، وابثثتك سري لغتان . وقوله : { إن الله كان عليكم رقيباً } أي حافظاً تقول رقب يرقب رقاباً وانما قال : { كان عليكم } ولفظ كان يفيد الماضي لأنه أراد أنه كان حفيظاً على من تقدم زمانه من عهد آدم وولده إلى زمان المخاطبين ، وانه كان عالماً بما صدر منهم ، لم يخف عليه منه شيء . والرقيب الحافظ في قول مجاهد . وقال ابن زيد : الرقيب العالم ، والمعنى متقارب ، يقال : رقب يرقب رقوباً ورقباً ورقبة . قال أبو داود : @ كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم نواهد @@ وقيل في معنى { الذي تسألون به } قولان : أحدهما - قال الحسن ومجاهد وابراهيم : هو من قولهم : اسألك بالله والرحم ، فعلى هذا يكون عطفاً على موضع به كأنه قال : وتذكرون الارحام في التساؤل . الثاني - قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك والربيع وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) : واتقوا الارحام أن تقطعوها ، فعلى هذا يكون معطوفا على اسم الله تعالى ، ووجه النعمة في الخلق من نفس واحدة انه أقرب إلى أن يتعطفوا ويأمن بعضهم بعضاً ويحامي بعضهم عن بعض ، ولا يأنف بعضهم عن بعض ، لما بينهم من القرابة والرجوع إلى نفس واحدة ، لأن النفس الواحدة ها هنا آدم ( ع ) باجماع المفسرين : الحسن وقتادة والسدي ومجاهد . وجاز من نفس واحدة لأن حواء من آدم على ما بيناه ، فرجع الجميع إلى آدم وانما أنث النفس والمراد بها آدم لأن لفظ النفس مؤنثة ، وان عني بها مذكر كما قال الشاعر : @ أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال @@ فانث على اللفظ ، وقد حكينا عن أكثر المفسرين : ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وابن اسحاق : ان حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " المرأة خلقت من ضلع ، وانك ان أردت أن تقيمها كسرتها وان تركتها وفيها عوج استمعت بها " وروي عن أبي جعفر ( ع ) أن حوّاء خلقت من فضل طينة آدم ( ع ) .