Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 23-23)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : في الناس من اعتقد أن هذه الآية وما يجري مجراها ، كقوله : { حرمت عليكم الميتة } مجملة لا يمكن التعلق بظاهرها في تحريم شيء ، وإنما يحتاج إلى بيان قالوا : لأن الأعيان لا تحرم ولا تحل ، وإنما يحرم التصرف فيها ، والتصرف يختلف ، فيحتاج إلى بيان التصرف المحرم ، دون التصرف المباح ، والأقوى أنها ليست مجملة ، لأن المجل هو ما لا يفهم المراد بعينه بظاهره ، وليست هذه الآية كذلك لأن المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهن ، والوطي ، دون غيرهما من أنواع الفعل ، فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك ، وكذلك قوله : { حرمت عليكم الميتة } المفهوم الأكل ، والبيع ، دون النظر إليها ، أو رميها ، وما جرى مجراهما كيف وقد تقدم هذه الآية ما يكشف عن أن المراد ما بيناه من قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } فلما قال . بعده : { حرمت عليكم أمهاتكم } كان المفهوم أيضاً تحريم نكاحهن ، وقد استوفينا ذلك في العدة في أصول الفقه ، فلا نطول بذكره ها هنا . قال ابن عباس : حرّم الله في هذه الآية سبعاً بالنسب ، وسبعاً بالسبب ، فالمحرمات من النسب الأمهات ، ويدخل في ذلك أمهات الأمهات وإن علون ، وأمهات الآباء مثل ذلك ، والبنات ، ويدخل في ذلك بنات الأولاد وأولاد البنين وأولاد البنات وإن نزلن ، والأخوات ، سواء كن لأب وأم أو لأب أو لأم ، وكذلك العمات والخالات ، وإن علون ، من جهة الأب كن أو من جهة الأب أو من جهة الأم ، وبنات الاخ ، وبنات الأخت وإن نزلن . والمحرمات بالسبب الأمهات من الرضاعة ، والأخوات أيضاً من الرضاعة ، وكل من يحرم بالسبب يحرم مثله بالرضاع ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وأمهات النساء يحرمن بنفس العقد ، وإن لم يدخل بالبنت ، على قول أكثر الفقهاء ، وبه قال ابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، وقالوا : هي مبهمة ، وخصوا التقييد بقوله : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ورووا عن علي ( ع ) ، وزيد بن ثابت ، أنه يجوز العقد على الأم ما لم يدخل بالبنت ، وجعلوا قوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } راجعاً إلى جميع من تقدم من أمهات النساء ، والربائب . اللغة : والربائب : جمع ربيبة ، وهي بنت الزوجة من غيره ، ويدخل فيه أولادها وإن نزلن ، وسميت بذلك لتربيته إياها ، ومعناها مربوبة ، نحو قتيلة في موضع : مقتولة ، ويجوز أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها وكانت في حجره ، أو لم تكن ، لأنه إذا تزوج بأمها سمي هو رابها ، وهي ربيبته ، والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ، ويوقعونه ، يقولون : هذا مقتول ، وهذا ذبيح ، وإن لم يقتل بعد ولم يذبح ، إذا كان يراد قتله أو ذبحه ، وكذلك يقولون : هذه أضحية لما أعد للتضحية ، وكذلك : هذه قتوبة ، وحلوبة ، أي مما يقتب ، ويحلب فمن قال : إنه لا تحرم بنت الزوجة إلا إذا تربت في حجره فقد أخطأ على ما قلناه ويقال لزوج المرأة : ربيب ابن امرأته ، يعنى به رابّه ، نحو : شهيد ، بمعنى شاهد ، وخبير ، بمعنى خابر ، وعليم ، بمعنى عالم . الاعراب : وقوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } قال المبرد : { اللاتي دخلتم بهن } نعت للنساء اللواتي من أمهات الربائب لا غير قال : لاجماع الناس على أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها ، وإن من أجاز أن يكون قوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } هو لأمهات نسائكم فيكون معناه : أمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب ، قال الزجاج : لأن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحداً ، لا يجيز النحويون : مررت بنسائك ، وهربت من نساء زيد الظريفات ، على أن يكون ( الظريفات ) نعتاً لهؤلاء النساء ، وهؤلاء النساء . وقال : من اعتبر الدخول بالنساء ، لتحريم أمهاتهن يحتاج أن يقدر : أعني ، فيكون التقدير : وأمهات نسائكم أعني اللاتي خلتم بهن ، وليس بنا إلى ذلك حاجة . المعنى : والدخول المذكور في الآية قيل فيه قولان : أحدهما - قال ابن عباس : هو الجماع ، واختاره الطبري . الثاني - قال عطاء : وما جرى مجراه من المسيس ، وهو مذهبنا ، وفيه خلاف بين الفقهاء . وقوله : { وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم } يعني نساء البنين للصلب ، دخل بهن البنون أو لم يدخلوا ، ويدخل في ذلك أولاد الأولاد من البنين والبنات ، وإنما قال { من أصلابكم } لئلا يظن أن امرأة من يتبنى به تحرم عليه . وقال عطاء : نزلت الآية حين نكح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إمرأة زيد بن حارثة ، فقال المشركون في ذلك ، فنزلت : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وقال : { وما جعل أدعيائكم أبنائكم } وقال : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } فأما حلائل الأبناء من الرضاعة فمحرمات بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " . وإنما سميت المرأة حليلة لأمرين : أحدهما - لأنها تحل معه في فراش . الثاني - لأنه يحل له وطؤها . وقوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } فيه تحريم الجمع بينهما في عقد واحد ، وتحريم الجمع بينهما في الوطي بملك اليمين ، فاذا وطأ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يخرج تلك من ملكه ، وهو قول الحسن ، وأكثر المفسرين والفقهاء . وروي عن ابن عباس أنه أجاز الجمع بينهما بملك اليمين ، وتوقف فيهما علي وعثمان ، وباقي الصحابة حرموا الجمع بينهما . وروي عن علي ( ع ) أنه قال : حرمتهما آية ، وأحلتهما أخرى ، وأنا أنهى عنهما نفسي ، وولدي ، فغلب التحريم . ومن أجاز الجمع بينهما في الوطي بملك اليمين - على ما يذهب إليه داود وقوم من أهل الظاهر - فقد أخطأ في الأختين ، وكذلك في الربيبة وأم الزوجة ، لأن قوله : { وأمهات نسائكم } يدخل فيه المملوكة ، والمعقود عليها ، وكذلك قوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } يتناول الجميع ، وكذلك قوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } عام في الجميع على كل حال ، في العقد والوطي ، وإنما أخرجنا جواز ملكهما بدلالة الاجماع ، ولا يعارض ذلك قوله : { أو ما ملكت أيمانكم } لأن الغرض بهذه الآية مدح من يحفظ فرجه إلا عن الأزواج ، أو ملك الايمان ، فأما كيفية ذلك فليس فيه ، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال : { أو ما ملكت أيمانكم } إلا على وجه الجمع بين الأم والبنت ، أو الاختين والسابعة قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } وهي امرأة الأب ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، ويدخل في ذلك نساء الأجداد وإن علوا ، من قبل الأب والأم بلا خلاف . وقوله : { إلا ما قد سلف } استثناء منقطع ، وتقديره : لكن ما سلف لا يؤاخذكم الله به ، وليس المراد أن ما سلف حال النهي تجوز استدامته ، بلا خلاف . وقيل إن إلا بمعنى سوى . وقوله : { وأن تجمعوا } ( أن ) في موضع الرفع ، والتقدير : حرمت عليكم هذه الأشياء ، والجمع بين الأختين ، وكل من حرمه الله في هذه الآية فانما هو على وجه التأييد ، مجتمعات ومنفردات ، إلا الأختين فانهما تحرمان على وجه الجمع دون الانفراد . ويمكن أن يستدل بهذه الآية على أنه لا يصح أن يملك واحدة من ذوات الانساب المحرمات ، لأن التحريم عام ، وبقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع ، وإن كان فيه خلاف . وأما المرأة التي وطؤها بلا تزويج ، ولا ملك ، فليس في الآية ما يدل على أنه يحرم وطي أمها وبنتها ، ولأن قوله : { وأمهات نسائكم } وقوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } يتضمن إضافة الملك ، إما بالعقد أو بملك المين ، فلا يدخل فيه من وطأ من لا يملك وطأها ، غير أن قوماً من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد والملك بالسنة والأخبار المروية في ذلك ، وفيه خلاف بين الفقهاء . وأما الرضاع فلا يحرم عندنا إلا ما كان خمس عشرة رضعة متواليات ، لا يفصل بينهن برضاع امرأة اخرى ، أو رضاع يوم وليلة ، أو ما أنبت اللحم وشد العظم . وفي أصحابنا من حرم بعشر رضعات . ومتى دخل بين الرضاع رضاع امرأة أخرى ، بطل حكم ما تقدم . وحرَّم الشافعي بخمس رضعات ، ولم يعتبر التوالي . وحرّم أبو حنيفة بقليله وكثيره ، وهو اختيار البلخي . وفي أصحابنا من ذهب إليه . واللبن عندنا للفحل ، ومعناه إذا أرضعت امرأة بلبن فحل لها صبياناً كثيرين ، من أمهات شتى ، فانهم جميعهم يصيرون أولاد الفحل ، ويحرمون على جميع أولاده الذين ينتسبون إليه ولادة ورضاعاً ، ويحرمون على أولاد المرضعة الذين ولدتهم ، فأما من أرضعته بلبن غير هذا الفحل ، فانهم لا يحرمون عليهم ، وكذلك إن كان للرجل امرأتان ، فأرضعتا صبيين لأجنبيين ، حرم التناكح بين الصبيين . وخالف في هذه ابن علية . ولا يحرم من الرضاع عندنا إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي من المجرى المعتاد الذي هو الفم ، فأما ما يوجر به ، أو يسعط ، أو ينشق ، أو يحقن به ، أو يحلب في عينه ، فلا يحرم بحال . ولبن الميتة لا حرمة له في التحريم ، وفي جميع ذلك خلاف . ولا يحرم من الرضاع إلا ما كان في مدة الحولين ، فأما ما كان بعده فلا يحرم بحال . فأما الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فحرم بالسنة ، ويجوز عندنا نكاح العمة والخالة على المرأة ، ونكاح المرأة على العمة والخالة لا يجوز إلا برضاء العمة والخالة ، وخالف فيه جميع الفقهاء . والمحرمات بالنسب ومن يحرم بالسبب على وجه التأييد يسمون مبهمات ، لأنه يحرم من جميع الجهات ، مأخوذ من البهيم الذي لا يخالط معظم لونه لون آخر ، يقال : فرس بهيم لا شية فيه ، وبقرة بهيم ، والجمع بهم . وقوله : { إن الله كان غفوراً رحيماً } اخبار أنه كان غفوراً حيث لم يؤآخذهم بما فعلوه من نكاح المحرمات ، وأنه عفى لهم عما سلف ، ولا يدل على أنه ليس بغفور فيما بعد ، لأن ذلك معلوم بدلالة أخرى ، وفي الناس من قال : كان زائدة ، وقد بينا أن هذا ضعيف ، لأنها تكون عبثاً ولغواً ، وذلك لا يجوز .