Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 24-24)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ الكسائي : " المحصنات " " ومحصنات " ، بكسر الصاد حيث وقع ، إلا قوله : { والمحصنات من النساء } ها هنا فانه فتح الصاد . وقرأ أهل الكوفة إلا أبو بكر ، وأبو جعفر : { وأحل لكم } - بضم الهمزة ، وكسر الحاء - الباقون : بفتحها . وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا : " أحصن " بفتح الهمزة والصاد ، الباقون بضم الهمزة وكسر الصاد . المعنى : قيل في معنى قوله : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ثلاثة أقوال : أحدها - وهو الأقوى - ما قاله علي ( ع ) ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو قلابة ، وابن زيد ، عن أبيه ، ومكحول ، والزهري ، والجبائي : أن المراد به ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم ، من سبي من كان لها زوج . وقال بعضهم ، مستدلا على ذلك بخبر أبي سعيد الخدري ، أن الآية نزلت في سبي أوطاس ، ومن خالفهم ضعف هذا الخبر بأن سبي أوطاس كانوا عبدة الأوثان ، دخلوا في الاسلام . الثاني - قال أبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وابن مسعود - في رواية أخرى عنه - وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وابراهيم : إن المراد به ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم ممن قد كان لها زوج ، لأن بيعها طلاقها . وقال ابن عباس : طلاق الأمة ست : سبيها طلاقها ، وبيعها ، وعتقها ، وهبتها ، وميراثها ، وطلاقها . وحكي عن علي ( ع ) ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف : أن السبي خاصة طلاقها ، قالوا لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خير بريرة بعد أن أعتقتها عائشة ، ولو بانت بالعتق لما صح . وزعم هؤلاء أن طلاقها كطلاق الحرة . الثالث - قال أبو العالية . وعبيدة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، واختاره الطبري : ان المحصنات العفائف ، إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح ، أو بالثمن ملك استمتاع بالمهر والبينة ، أو ملك استخدام بثمن الأمة . اللغة والاعراب : وأصل الاحصان المنع . وسمي الحصن حصناً لمنعه من أراده من أعدائه ، والدرع الحصينة أي المنيعة ، والحصان الفحل من الأفراس لمنعه صاحبه من الهلاك ، والحصان العفيفة من النساء ، لمنعها فرجها من الفساد . ومنه قوله : { التي أحصنت فرجها } وكذلك أحصنها الزوج ، وبناء حصين ممتنع ، وحصنت المرأة تحصن حصانة ، والحاصن : العفيفة ، قال العجاج : @ وحاصن من حاصنات ملس من الأذى ومن قراف الوقس @@ وقال أبو علي الفارسي ، قال سيبويه : حصنت المرأة حصناً وهي حصان ، مثل : جبنت جبناً فهي جبان ، وقالوا حصناً ، كما قالوا : علما قال الازهري : يقال للرجل إذا تزوج : أحصن فهو محصن ، كقولهم : ألفج فهو ملفج إذا أعدم وافتقر ، وأسهب فهو مسهب ، إذا أكثر الكلام . وكلام العرب كله على أفعل فهو مفعل ، بكسر العين ، مثل أسمع فهو مسمع ، وأعرب فهو معرب ، وأفصح فهو مفصح ، إلا ما ذكرناه والاحصان على أربعة أقسام : أحدها - يكون بالزوجة ، كقوله : { والمحصنات من النساء } . والثاني - بالاسلام ، كقوله : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات } والثالث - بالعفة كقوله : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } الرابع - يكون بالحرية ، كقوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وقوله : { كتاب الله عليكم } يحتمل نصبه وجهين : أحدهما - أن يكون مصدراً جرى على غير فعله وفيه معناه ، كأنه قال : حرم الله ذلك كتاباً من الله ، أو كتب كتاباً ، كما قال : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } فنصبه بقوله : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } فكان ذلك دلالة على أنه قد صنعها فنصب على أنه مصدر ، وقال الشاعر : @ ورضت فذلت صعبة أي اذلال @@ لأن معنى رضت أذللت ، قال الزجاج : ويجوز أن يكون منصوباً على جهة الأمر ، ويكون { عليكم } مفسراً ، والمعنى : الزموا كتاب الله . الثاني - على الاغراء ، والعامل محذوف ، لأن عليكم لا يعمل فيما قبله : وأنشد : @ يا أيها المائح دلوى دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا @@ والمعنى هذا دلوي دونكا ، وهو معنى قول الزجاج . المعنى : وقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } قيل في معناه أربعة أقوال : أحدها - قال عبيدة السلماني ، والسدي : أحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا باموالكم على وجه النكاح . الثاني - قال عطاء أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم . الثالث - قال قتادة : { ما وراء ذلكم } مما ملكت أيمانكم . الرابع - ما وراء ذوات المحارم إلى الأربع ، أن تبتغوا بأموالكم نكاحا ، أو بملك يمين ، وهذا الوجه أولى ، لأنه حمل الآية على عمومها في جميع ما ذكر الله ، ولا تنافي بين هذه الاقوال . ومن فتح الهمزة حمله على أقرب المذكورين في قوله : { كتاب الله علكيم } ومن ضم حمله على { حرمت } وموضع { أن تبتغوا } نصب ، ويحتمل نصبه على وجهين : أحدهما - على البدل من ما . والثاني - على حذف اللام من " لأن تبتغوا " ، ومن قرأ بالضم جاز عنده الرفع والنصب ، وقوله : { محصنين } أي عاقدين التزويج ، غير مسافحين : عافين للفروج ، فال مجاهد ، والسدي : معناه غير زانين وأصله : صب الماء ، تقول : سفح الدمع إذا صبه ، وسفح الجبل أسفله ، لانه مصب الماء منه ، وسافح إذا زنا لصبه الماء باطلا . وقال الزجاج : المسافح والمسافحة الزانيان غير ممتنعين من أحد ، فاذا كانت تزني بواحد فهي ذات خدن ، فحرم الله الزنا على كل حال ، على السفاح واتخاذ الصديق . وقوله : { فما استمتعتم به منهن } قال الحسن ، ومجاهد ، وابن زيد : هو النكاح ، وقال ابن عباس ، والسدي : هو المتعة إلى أجل مسمى ، وهو مذهبنا ، لأن لفظ الاستمتاع إذا أطلق لا يستفاد به في الشرع إلا العقد المؤجل ، ألا ترى أنهم يقولون : فلان يقول بالمتعة ، وفلان لا يقول بها ، ولا يريدون إلا العقد المخصوص ، ولا ينافي ذلك قوله : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم } لأنا نقول : إن هذه زوجة ، ولا يلزم أن يلحقها جميع أحكام الزوجات ، من الميراث ، والطلاق ، والايلاء ، والظهار ، واللعان ، لأن احكام الزوجات تختلف ، ألا ترى أن المرتدة تبين بغير طلاق ، وكذلك المرتد عندنا ، والكتابية لا ترث ، وأما العدة فانها تلحقها عندنا ، ويلحق بها أيضاً الولد ، فلا شناعة بذلك ، ولو لم تكن زوجة لجاز أن يضم ما ذكر في هذه السورة إلى ما في تلك الآية ، لأنه لا تنافي بينهما ، ويكون التقدير : إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أو ما استمتعتم به منهن وقد استقام الكلام . وروي عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب وسعيد بن جبير : أنهم قرأوا { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } وذلك صريح بما قلناه ، على أنه لو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد ، لأنه قال : { فآتوهن أجورهن } يعني مهورهن ، عند أكثر المفسرين ، وذلك غير واجب بلا خلاف ، وإنما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة . وفي أصحابنا من قال : قوله : { أجورهن } يدل على أنه أراد المتعة ، لأن المهر لا يسمى أجراً ، بل سماه الله صدقة ونحلة ، وهذا ضعيف ، لأن الله سمى المهر أجراً في قوله { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } وقال : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكباً لما يعلم خلافه ، ومن حمل لفظ الاستمتاع على الانتفاع فقد أبعد ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها شيء من المهر ، وقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر ، وإن خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء ، وإن لم يلتذ ولم ينتفع . وأما الخبر الذى يروونه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن المتعة ، فهو خبر واحد لا يترك له ظاهر القرآن ، ومع ذلك يختلف لفظه وروايته فتارة يروون أنه نهى عنها في عام خيبر ، وتارة يروون أنه نهى عنها في عام الفتح ، وقد طعن أيضاً في طريقه بما هو معروف ، وأدل دليل على ضعفه قول عمر : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ) فأخبر أن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنه الذي نهى عنهما ، لضرب من الرأي . فان قالوا . إنما نهى لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان نهى عنهما ، قلنا : لو كان كذلك لكان يقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنهى عنهما ، وأنا أنهى عنهما أيضاً ، فكان يكون آكد في باب المنع ، فلما لم يقل ذلك دل على أن التحريم لم يكن صدر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وصح ما قلناه . وقال الحكم بن عتيبة ، قال علي ( ع ) لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي . وذكر البلخي ، عن وكيع ، عن اسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عبد الله بن مسعود : قال كنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن شباب ، فقلنا يا رسول الله ألا نستخصي ، قال : لا ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ، إلى أجل . وقوله : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } قال الحسن ، وابن زيد : أي تراضيتم به من حط بعض الصداق أو تأخيره ، أو هبة جميعه . وقال السدي وقوم من أصحابنا : معناه : لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء المدة التي تراضيتم عليها ، فتزيدها في الأجر وتزيدك في المدة . وفي الآية دلالة على جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، لأن قوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } عام في جميعهن ، ومن ادعى نسخه فعليه الدلالة ، وما يروى من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها " خبر واحد لا ينسخ به القرآن ، ولو كان معلوماً لما جاز أن ينسخ به القرآن عند أكثر الفقهاء ، لأن نسخ القرآن لا يجوز عندهم بالسنة ، وادعاؤهم الاجماع على الخبر غير مسلم ، لأنا نخالف فيه . وقوله : { إن الله كان عليماً حكيماً } معناه عليما بما يصلح أمر الخلق ، حكيما فيما فرض لهم من عقد النكاح الذى به حفظت الأموال ، والانساب . قال البلخي : والآية دالة على أن نكاح المشركين ليس بزنا . لأن قوله : { والمحصنات من النساء } المراد به ذوات الازواج من أهل الحرب ، بدلالة قوله : { إلا ما ملكت أيمانكم } بسبيهن ولا خلاف أنه لا يجوز وطي المسبية إلا بعد استبرائها بحيضة .