Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة ، واللغة : قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { فإذا أحصن } - بضم الهمزة وكسر الصاد - الباقون بفتحهما ، وقرأ { المحصنات } - بكسر الصاد - الكسائي وحده ، قوله : { ومن لم يستطع منكم طولاً } معناه : من لم يجد منكم طولا ، وقيل في معنى الطول قولان : أحدهما - قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد : هو الغنى ، وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) . والثاني - قال ربيعة ، وجابر ، وعطاء ، وابراهيم : أنه الهوى ، قال : إذا هوي الأمة فله أن يتزوجها وإن كان ذا يسار . وقال الحسن ، والشعبي : لا يجوز ذلك ، والقول الأول هو الصحيح ، وعليه أكثر الفقهاء . والطول الغنى ، وهو مأخوذ من الطول خلاف القصر ، فشبه الغنى به ، لأنه ينال به معالي الأمور ، وقولهم ليس فيه طائل . أي : لا ينال به شيء من الفوائد ، والتطول الافضال بالمال ، والتطاول على الناس الترفع عليهم ، وكذلك الاستطالة ، وتقول : طال فلان طولا ، أي كأنه فضل عليه في القدرة ، وقد طالت طولك وطيلك أي طالت مدتك ، قال الشاعر : @ إنا محيوك فاسلم أيها الطلل وإن بليت وإن طالت بك الطيل @@ والطول الحبل . المعنى : وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ، لأنه قيد جواز العقد على الاماء إذا كن مؤمنات ، وهو قول مالك بن أنس ، ومجاهد ، وسعيد بن عبد العزيز ، وأبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، والحسن ، والطبري ، وقال أبو ميسرة ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : يجوز ذلك ، لأن التقييد هو على جهة الندب دون التحريم ، والأول أقوى ، لأنه الظاهر ، وما قالوه عدول عنه . ومنهم من قال : لأن التأويل : من فتياتكم المؤمنات دون المشركات من عبدة الأوثان ، بدلالة الآية التي في المائدة ، وهي قوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وهذا ليس بشيء ، لأن الكتابية لا تسمى مؤمنة . ومن أجاز العقد على الكتابية له أن يقول : آية المائدة مخصوصة بالحرائر منهن دون الاماء ، وظاهر الآية يقتضي أن من وجد الطول من مهر الحرة ونفقتها ، ولا يخاف العنت . لا يجوز له تزويج الأمة ، وإنما يجوز العقد عليها مع عدم الطول ، والخوف من العنت . وهو مذهب الشافعي ، غير أن أكثر أصحابنا قالوا : ذلك على وجه الأفضل ، لا أنه لو عقد عليها وهو غني كان العقد باطلا ، وبه قال أبو حنيفة ، وقوّوا ذلك بقوله : { ولأمة مؤمنة خير من مشركة } إلا أن من شرط صحة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء ، أن لا تكون عنده حرة ، وهكذا عندنا ، إلا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة ، فان أذنت كان العقد صحيحاً عندنا ، ومتى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد على الأمة باطلا . وروى أصحابنا أن الحرة تكون بالخيار بين أن تفسخ عقد الأمة ، أو تفسخ عقد نفسها ، والاول أظهر ، لأنه إذا كان العقد باطلا لا يحتاج إلى فسخه ، فأما تزويج الحرة على الأمة ، فجائز ، وبه قال الجبائي . وفي الفقهاء من منع منه ، غير أن عندنا لا يجوز ذلك إلا باذن الحرة ، فان لم تعلم الحرة بذلك كان لها أن تفسخ نكاحها ، أو نكاح الأمة ، وفي الناس من قال : في عقده على الحرة طلاق الأمة . وقوله : { من فتياتكم المؤمنات } فالفتى الشاب ، والفتاة الشابة ، والفتاة الأمة ، وإن كانت عجوزاً لأنها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الكبيرة ، والفتوّة حال الحداثة ، ومنه الفتيا ، تقول : أفتى الفقيه . يفتي لأنه يسأله مسألة في حادثة . وقوله : { والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض } قيل في معناه قولان : أحدهما - كلكم ولد آدم . والثاني - كلكم على الايمان . ويجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرة ، وأكثر ثواباً عند الله ، وفي ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة ، إذا جوّز أن تكون أكثر ثواباً عند الله ، مع اشتراكهم بأنهم ولد آدم ، وفي ذلك صرف عن التغاير بالأنساب . ومن كره نكاح الأمة قال : لأن الولد عندنا يلحق بالحرية في كلا الطرفين . وقوله : { فانكحوهن بإذن أهلهن } أي اعقدوا عليهن باذن أهلهن ، وفيه دلالة واضحة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير اذن وليها الذي هو مالكها . وقوله : { وآتوهن أجورهن } معناه : اعطوا مالكهن مهورهن ، لأن مهر الأمة لسيدها ، { بالمعروف } وهو ما وقع عليه العقد وتراضي . وقوله : { محصنات غير مسافحات } يعني بالعقد عليهن ، دون السفاح معهن ، { ولا متخذات أخدان } وقد بينا الفرق بين الخدن والسفاح فيما مضى ، والخدن هو الصديق يكون للمرأة ، بزني بها سرّاً ، كذا كان في الجاهلية ، والسفاح ما ظهر منه ، وكان فيهم من يحرم ما ظهر من الزنا ، ولا يحرم ما خفي منه ، ذكر ذلك ابن عباس ، وغيره من المفسرين . وخدن الرجل وخدينه صديقه . وقوله : { فإذا أحصن } من قرأ بالضم ، قال : معناه تزوجن ، ذكر ذلك ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة . ومن فتح الهمزة قال : معناه أسلمن ، روي ذلك عن عمر ، وابن مسعود ، والشعبي ، وابراهيم ، والسدي . وقال الحسن : يحصنها الزوج ، ويحصنها الاسلام ، وهو الأولى ، لأنه لا خلاف أنه يجب عليها نصف الحد إذا زنت ، وإن لم تكن ذات زوج ، كما أن عليها ذلك وان كان لها زوج ، لأنه وإن كان لها زوج لا يجب عليها الرجم ، لأنه لا يتبعض ، فكان عليها نصف الحد خمسين جلدة . على أن قوله : { فعليهن نصف ما على المحصنات } يعني نصف ما على الحرائر ، وليس المراد به ذوات الأزواج ، فالاحصان المذكور للأمة التزويج ، والمذكور للمحصنات الحرية ، وبينا أنه يعبر به عن الأمرين . وقال بعضهم : إذا زنت الأمة قبل أن تتزوّج ، فلا حد عليها ، وإنما عليها نصف الحد إذا تزوجت بظاهر الآية . وقوله : { ذلك لمن خشي العنت منكم } ، فالعنت معناه ها هنا الزنا في قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطية العوفي ، والضحاك ، وابن زيد . وقال قوم : هو الضرر الشديد في الدين أو الدنيا ، مأخوذ من قوله : { ودوا ما عنتم } والأول أقوى ، وقوله : { وإن تصبروا خير لكم } يعني : عن نكاح الاماء ، في قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وعطية . وأكمة عنوت صعبة المرتقى . ومتى اجتمع عند الرجل حرة وأمة كان للحرة يومان وللأمة يوم ، وعندنا أن بيع الأمة طلاقها ، إلا أن يشاء المشتري إمضاء العقد ، وكذلك الهبة ، وكل ما ينتقل به الملك من الميراث ، والسبي ، وغيره . فأما عتقها فانه يثبت به لها الخيار ، كما ثبت لبريره ، ومتى كانت تحت الزوج الحر أو عبد لغيره ، لم يكن للمولى التفرقة بينهما ، فان كانا جميعاً له كان التفرقة إلى المولى . واستدلت الخوارج على بطلان الرجم بهذه الآية ، قالوا : لما قال الله تعالى : { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ، وكان الرجم لا يمكن تبعيضه ، دل على أنه لا أصل له ، وعلى ما بيناه من أن المراد فعليهن نصف ما على الحرائر ، دون ذوات الأزواج ، يسقط هذا السؤآل . ويدل على أن الاحصان يعبر به عن الحرية زائداً على ما تقدم ، قوله في أول الآية : { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم } ولا شك أنه أراد الحرة أو العفائف ، لأن التي لها زوج لا يمكن العقد عليها ، وجد طولها أو لم يجد ، وقوله : { والذين يرمون المحصنات } يدل عليه أيضاً ، لأن المراد به المسلمة الحرة ، سواء كانت ذات زوج أو لم تكن ، بلا خلاف . والرجم معلوم من دين المسلمين بالتواتر فانهم لا يختلفون أنه ( صلى الله عليه وسلم ) رجم ماعز بن مالك الأسلمي ، ورجم يهودياً ويهودية ، وعليه جيمع الفقهاء من عهد الصحابة إلى يومنا هذا ، فخلاف الخوارج لا يلتفت إليه . وفي الناس من قال : إن قوله : { أن ينكح المحصنات } المراد به الحرائر دون أن يكون مختصاً بالعفائف ، لأنه لو كان مختصاً بالعفائف لما جاز العقد على من ليس كذلك ، لأن قوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } إلى قوله : { وحرم ذلك على المؤمنين } منسوخ بالاجماع ، وبقوله : { فانكحوا ما طاب } وبقوله : { وانكحوا الأيامى } ويمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل دون الوجوب ، وقوله : { فعليهن } معناه لازم لهن نصف ما يلزم المحصنات ، دون أن يكون ذلك واجباً عليهن ، وقوله : { وإن تصبروا } في موضع رفع ، والتقدير والصبر عن نكاح الأمة خير لكم . وفي الآية تقديم وتأخير ، لأن التقدير : { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم } أي فلينكح مما ملكت أيمانكم { من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض والله أعلم بأيمانكم } ذكره الطبري وهو جيد مليح .