Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 59-59)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين يأمرهم أن يطيعوه ويطيعوا رسوله ويطيعوا أولي الأمر منهم ، فالطاعة هي امتثال الأمر . فطاعة الله هي امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه . وطاعة الرسول كذلك امتثال أوامره وطاعة الرسول أيضاً هي طاعة الله ، لأنه تعالى أمر بطاعة رسوله ، فمن أطاع الرسول ، فقد أطاع الله كما قال { من يطع الرسول فقد أطاع الله } فأما المعرفة بأنه رسول ، فمعرفة بالرسالة ولا يتم ذلك إلا بعد المعرفة بالله ، وليست احداهما هي الأخرى ، وطاعة الرسول واجبة في حياته وبعد وفاته ، لأن بعد وفاته يلزم اتباع سنته ، لأنه دعا إليها جميع المكلفين إلى يوم القيامة ، كما أنه رسول إليهم أجميعن . فأما أولو الأمر ، فللمفسرين فيه تأويلان : أحدهما - قال أبو هريرة ، وفي رواية عن ابن عباس ، وميمون بن مهران ، والسدي ، والجبائي ، والبلخي ، والطبري : إنهم الامراء . الثاني - قال جابر بن عبد الله ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وعطاء ، وأبي العالية : انهم العلماء . وروى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) أنهم الأئمة من آل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلذلك أوجب الله تعالى طاعتهم بالاطلاق ، كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك . ولا يجوز ايجاب طاعة أحد مطلقاً إلا من كان معصوماً مأموناً منه السهو والغلط ، وليس ذلك بحاصل في الامراء ، ولا العلماء ، وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم ، فأما من قال المراد به العلماء ، فقوله بعيد ، لأن قوله { وأولي الأمر } معناه أطيعوا من له الأمر ، وليس ذلك للعلماء ، فان قالوا : يجب علينا طاعتهم إذا كانوا محقين ، فاذا عدلوا عن الحق فلا طاعة لهم علينا . قلنا : هذا تخصيص لعموم ايجاب الطاعة لم يدل عليه دليل . وحمل الآية على العموم ، فيمن يصح ذلك فيه أولى من تخصيص الطاعة بشيء دون شيء كما لا يجوز تخصيص وجوب طاعة الرسول وطاعة الله في شيء دون شيء . وقوله : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } فمعنى الرد إلى الله هو إلى كتابه والرد إلى رسوله هو الرد إلى سنته . وقول مجاهد ، وقتادة ، وميمون بن مهران ، والسدي : والرد إلى الأئمة يجري مجرى الرد إلى الله والرسول ، ولذلك قال في آية أخرى { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ولأنه إذا كان قولهم حجة من حيث كانوا معصومين حافظين للشرع جروا مجرى الرسول في هذا الباب . وقوله : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي تصدقون بهما . { ذلك خير وأحسن تأويلاً } ذلك اشارة إلى الرد إلى الله وإلى الرسول { وأحسن تأويلاً } قال قتادة ، والسدي ، وابن زيد : أحمد عاقبة . وقال مجاهد : معناه أحسن جزاء . وهو من آل يؤول إذا رجع والمآل المرجع والعاقبة مآل ، لأنها بمنزلة ما تفرقت عنه الاشياء ثم رجعت إليه . وتقول : إلى هذا يؤول الأمر أي يرجع . وقال الزجاج : أحسن من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله وسنة نبيه ، وهذا هو الأقوى ، لأن الرد إلى الله والرسول والأئمة المعصومين أحسن من تأويل بغير حجة . واستدل جماعة بهذه الآية على أن الاجماع حجة بأن قالوا : إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب والسنة بشرط وجود التنازع ، فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع ، لا يجب الرد ، ولا يكون كذلك إلا وهو حجة ، وهذا إن استدل به مع فرض أن في الامة معصوماً حافظاً للشرع كان صحيحاً ، وإن فرضوا مع عدم المعصوم كان باطلا ، لأن ذلك استدلال بدليل خطاب ، لأن تعليق الحكم بشرط أو صفة لا يدل على أن ما عداه بخلافه عند أكثر المحصلين ، فكيف يعتمد عليه ها هنا ، على أنهم لا يجمعون على شيء إلا عن كتاب أو سنة ، فكيف يقال : إذا أجمعوا لا يجب عليهم الرد إلى الكتاب والسنة ، وهم قد ردوا إليهما على أن ذلك يلزم في كل جماعة ، وإن لم يكونوا جميع الأمة إذا اتفقوا على شيء ألا يجب عليهم الرد إلى الكتاب والسنة ، لأن قوله : { فإن تنازعتم } يتناول جماعة ولا يستغرق جميع الأمة ، فعلم بذلك فساد الاستدلال بما قالوه . وقد بينا الكلام على ذلك مستوفى في العدة في أصول الفقه .