Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : هذا خطاب لأولياء اليتامى ، أمر الله تعالى بأن يختبروا عقول اليتامى في أفهامهم ، وصلاحهم في أديانهم ، وإصلاحهم أموالهم . وهو قول قتادة ، والحسن ، والسدي ، ومجاهد ، وابن عباس ، وابن زيد . وقد بينا أن الابتلاء معناه الاختبار فيما مضى . وقوله : { حتى إذا بلغوا النكاح } معناه : حتى يبلغوا الحد الذي يقدرون على مجامعة النساء وينزل ، وليس المراد الاحتلام ، لأن في الناس من لا يحتلم ، أو يتأخر احتلامه ، وهو قول أكثر المفسرين : مجاهد ، والسدي ، وابن عباس ، وابن زيد . ومنهم من قال : إذا كمل عقله ، واونس منه الرشد ، سلم إليه ماله ، وهو الاقوى . ومنهم من قال : لا يسلم إليه حتى يكمل له خمس عشرة سنة ، وإن كان عاقلا ، لأن هذا حكم شرعي ، وبكمال العقل تلزمه المعارف لا غير ، وقال أصحابنا : حد البلوغ إما بلوغ النكاح ، أو الانبات في العانة ، أو كمال خمس عشرة سنة . وقوله : { فإن آنستم منهم رشداً } معناه : فان وجدتم منهم رشدا وعرفتموه ، وهو قول ابن عباس . اللغة : تقول : آنست من فلان خيراً إيناساً وأنست به أنساً : إذا ألفته . وفي قراءة عبد الله : فان أحسيتم يعني أحسستم ، أي وجدتم ، والاصل فيه : أبصرتم . ومنه قوله : { آنس من جانب الطور ناراً } أي أبصر ، ومنه أخذ انسان العين ، وهو حدقتها التي يبصر بها . المعنى : واختلفوا في معنى الرشد ، فقال السدي ، وقتادة : معناه عقلا وديناً وصلاحاً . وقال الحسن ، وابن عباس : معناه : صلاحاً في الدين ، وإصلاحاً للمال . وقال مجاهد ، والشعبي : معناه العقل . قال : لا يدفع إلى اليتيم ماله ، وإن أخذ بلحيته ، وإن كان شيخاً ، حتى يؤنس منه رشده : العقل . وقال ابن جريج : صلاحاً ، وعلماً بما يصلحه . والاقوى أن يحمل على أن المراد به العقل ، وإصلاح المال ، على ما قال ابن عباس ، والحسن ، وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) ، للاجماع على أن من يكون كذلك لا يجوز الحجر في ماله ، وان كان فاجراً في دينه ، فاذا كان ذلك اجماعا فكذلك إذا بلغ ، وله مال في يد وصي أبيه أو في يد حاكم قد ولي ماله ، وجب عليه أن يسلم إليه ماله ، إذا كان عاقلا ، مصلحاً لما له ، وإن كان فاسقاً في دينه . وفي الآية دلالة على جواز الحجر على العاقل ، إذا كان مفسداً في ماله ، من حيث أنه إذا كان عند البلوغ يجوز منعه المال إذا كان مفسداً له ، فكذلك في حال كمال العقل إذا صار بحيث يفسد المال ، جاز الحجر عليه ، وهو المشهور في أخبارنا . ومن الناس من قال : لا يجوز الحجر على العاقل ، ذكرناه في الخلاف . وقوله : { فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً } فهو خطاب لأولياء اليتيم ، أمرهم الله تعالى إذا بلغ اليتيم ، وأونس منه الرشد ، على ما فسرناه ، أن يسلم إليه ماله ، ولا يحبسه عنه . وقوله : { ولا تأكلوها إسرافاً } معناه بغير ما أباحه الله لكم . وقال الحسن ، والسدي : الاسراف في الاكل . وأصل الاسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح ، وربما كان ذلك في الافراط ، وربما كان في التقصير ، غير أنه إذا كان في الافراط يقال منه : أسرف يسرف إسرافاً ، وإذا كان في التقصير يقال : سرف يسرف سرفاً ، يقال : مررت بكم فسرفتكم ، يريد : فسهوت عنكم ، واخطأتكم ، كما قال الشاعر : @ اعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم منّ ولا سرف @@ يعني لا خطأ فيه ، يريد أنهم يصيبون مواضع العطاء فلا يخطونها . وقوله : { وبداراً أن يكبروا } فالبدار والمبادرة مصدران ، فنهى الله تعالى أولياء اليتامى أن يأكلوا أموالهم اسرافاً بغير ما أباح الله لهم أكله ، ولا مبادرة منكم بلوغهم ، وإيناس الرشد منهم ، حذراً أن يبلغوا ، فيلزمكم تسليمه إليهم ، وبه قال ابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، والسدي ، وابن زيد . وأصل البدار الامتلاء . ومنه البدر القمر ، لامتلائه نوراً ، والبدرة : لامتلائها بالمال ، والبيدر : لامتلائه بالطعام ، وموضع " أن " نصب بالمبادرة ، والمعنى : لا تأكلوها مبادرة كبرهم . وقوله : { ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف } يعني : من كان غنياً من ولاة أموال اليتامى فليستعفف بماله عن أكلها ، وبه قال ابن عباس ، وابراهيم . وقوله : { ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف } قال عبيدة : معناه القرض ، وهو المروي عن أبي جعفر ( ع ) ، ألا ترى أنه قال : { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } { ومن كان فقيراً } فاختلفوا في الوجه الذي يجوز له أكل مال اليتيم به إذا كان فقيراً ، وهو المعروف ، فقال سعيد بن جبير ، وعبيدة السلماني ، وأبو العالية ، وأبو وائل ، والشعبي ، ومجاهد ، وعمر بن الخطاب : هو أن يأخذه قرضاً على نفسه فيما لا بد له منه ، ثم يقضيه ، وبينا أنه المروي عن أبي جعفر ( ع ) . وقال الحسن ، وإبراهيم ، ومكحول ، وعطاء بن أبي رباح : يأخذ ما سد الجوعة ، ووارى العورة ، ولا قضاء عليه ، ولم يوجبوا أجرة المثل ، لأن أجرة المثل ربما كانت أكثر من قدر الحاجة . والظاهر في أخبارنا أن له أجرة المثل ، سواء كان قدر كفايته ، أو لم يكن . وسئل ابن عباس عن ولي يتيم له إبل هل له أن يصيب من ألبانها ؟ فقال : إن كنت تلوط حوضها ، وتهنأ جرباها ، فأصبت من رسلها ، غير مضر بغسل ولا ناهكه في الحلب . معنى تلوط حوضها : تطينه ، وتهنأ جرباها ، معناه : تطليها بالهناء ، وهو الخضخاض ، ذكره الازهري ، والرسل اللبن ، والنهك : المبالغة في الحلب . واختلفوا في هل للفقير من ولي اليتيم أن يأكل من ماله هو وعياله ، فقال عمرو بن عبيد : ليس له ذلك ، لقوله : { فليأكل بالمعروف } فخصه بالاكل ، وقال الجبائي : له ذلك لأن قوله : { بالمعروف } يقتضي أن يأكل هو وعياله ، على ما جرت به العادة في أمثاله ، وقال إن كان المال واسعاً كان له أن يأخذ قدر كفايته ، له ولمن يلزمه نفقته من غير اسراف ، وإن كان قليلا كان له أجرة المثل لا غير ، وإنما لم يجعل له أجرة المثل إذا كان المال كثيراً ، لأنه ربما كان أجرة المثل أكثر من نفقته بالمعروف ، وعلى ما قلناه من أن له أجرة المثل سقط هذا الاعتبار وقوله : { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } خطاب لأولياء اليتامى ، إذا دفعوا أموال اليتامى إليهم ، أن يحتاطوا لأنفسهم بالاشهاد عليهم ، لئلا يقع منهم جحود ، ويكونوا أبعد من التهمة ، وسواء كان ذلك في أيديهم ، أو استقرضوه ديناً على نفوسهم ، فان الاشهاد يقتضيه الاحتياط ، وليس بواجب . وقوله : { كفى بالله حسيباً } معناه : كفى الله ، والباء زائدة ، وقال السدي : معناه : شهيدا ها هنا ، وقيل : معناه : وكفى بالله كافياً من الشهود ، ولأن أحسبنى معناه : كفاني ، والمعنى : وكفى بالله شهيداً في الثقة بايصال الحق إلى صاحبه والمحسب من الرجال المرتفع النسب . والمحسب ، المكفى . وولي اليتيم المأمور بابتلائه ، وهو الذي جعل إليه القيام به ، من وصي ، أو حاكم ، أو أمين ، ، ينصبه الحاكم . وأجاز أصحابنا الاستقراض من مال اليتيم إذا كان ملياً ، وفيه خلاف .