Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 90-90)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما أمر الله تعالى المؤمنين بقتال الذين لا يهاجرون عن بلاد الشرك حيث وجدوهم ، وألا يتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً استثنى من جملتهم من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعة ، وعهد وميثاق ، فدخلوا فيهم وصاروا منهم . ورضوا بحكمهم فان لمن وصل إليهم ودخل فيهم راضياً بحكمهم حكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم . والمعني بقوله : { إلا الذين يصلون } بنو مدلج ، كان سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد أحد ، فقال له : أنشدك الله والنعمة . وأخذ منه ألا يغزو قومه ، فان أسلمت قريش أسلموا ، لأنهم كانوا في عقد قريش ، فحكم الله فيهم ما حكم في قريش ، وحرم منهم ما حرم منهم ، ففيهم نزلت هذه الآية - على ما ذكره بن شبة - . وقال أبو جعفر ( ع ) قوله تعالى : { إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال : هو هلال بن عويمر السلمي . واثق عن قومه ألا تخيف يا محمد من أتاك ولا نخيف من أتانا . وبمثل هذا التأويل قال السدي ، وابن زيد ، وعكرمة وقال أبو عبيدة { يصلون } بمعنى ينتسبون إليهم . والعرب تقول قد اتصل الرجل : إذا انتمى إلى قوم وقال الاعشى يذكر امرأة انتسبت إلى قومها : @ إذا اتصلت قالت : ابكر بن وائل وبكر سبتها والانوف رواغم @@ وقد ضعف هذا الجواب ، لأن تعيين الانتساب لو أوجب أن يكون حكم المنتسب حكم من انتسب إليه ممن بينهم وبينهم ميثاق ، لوجب ألا يقاتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قريشاً ، لما بينهم وبين المؤمنين من الانتساب . وحرمة الايمان أعظم من حرمة الموادعة . فان قيل : هذه الآية منسوخة قيل : لعمري إنها منسوخة لكن لا خلاف أنها نسخت بقوله في سورة براءة { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وبراءة نزلت بعد فتح مكة ، فكان يجب ألا يقاتل قريشاً على دخول مكة وقد علمنا خلافه وقوله : { أو جاؤكم حصرت صدورهم } قال عمر بن شبة يعني به أشجع فانهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخيلة فأخرج إليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) احمال التمر ضيافة . وقال : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة . وقال لهم : ما جاءكم ؟ قالوا : قربت دارنا منك ، وكرهنا حربك ، وحرب قومنا ، يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد لقلتنا فيهم ، فنزلت الآية . وقوله : { جاؤكم حصرت صدورهم } معناه قد حصرت ، لأنه في موضع الحال والماضي إذا كان المراد به الحال قدّر معه قد ، كما يقولون : جاء فلان ، وذهب عقله . والمعنى قد ذهب عقله . وسمع الكسائي من العرب من يقول : أصبحت نظرت إلى ذات التنانير بمعنى قد نظرت . وانما جاز ذلك ، لأن قد تدني الفعل من الحال . وقرأ الحسن ، ويعقوب { حصرة صدورهم } منصوباً على الحال . وأجاز يعقوب الوقف بالهاء . وهو صحيح في المعنى وقراءة القراء بخلافه . ومعنى { حصرت صدورهم } ضاقت عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم وكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أوكلام يقال : قد حصر . ومنه الحصر في القراءة وما قلناه معنى قول السدي وغيره . وقوله : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم } مثل قوله : { ولو شاء الله لأعنتكم } ومعناه الاخبار عن قدرته على ذلك لو شاء لكنه لا يشاء ذلك ، بل يلقي في قلوبهم الرعب حتى يفزعوا ، ويطلبوا الموادعة ، والمسالمة ، ويدخل بعضهم في حلف من بينكم وبينهم ميثاق وفي ذمتهم ، ثم قال : { فإن اعتزلوكم } يعني هؤلاء الذين أمرنا بالكف عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو بمصيرهم إليكم { حصرت صدورهم } ، فلم يقاتلوكم { وألقوا إليكم السلم } يعني صالحوكم ، واستسلموا ، كما يقول القائل : أعطيتك قيادي والقيت إليك خطامي إذا استسلم له وانقاد لامره ، فكذلك قوله : { وألقوا اليكم السلم } يريد به الصلح وقال أكثر المفسرين : البلخي والطبري والجبائي ، وغيرهم : إن المراد به الاسلام . قال الطرماح : @ وذاك ان تميما غادرت سلما للأسد كل حصان وعثة اللبد @@ يعني استسلاماً . وقال : { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } يعني إذا استسلموا لكم فلا طريق لكم على نفوسهم ، وأموالهم . قال الربيع : السلم ها هنا الصلح ، ثم نسخ ذلك بقوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } الآية . وبه قال عكرمة والحسن قالا . نسخت هذه الآية إلى قوله : { سلطاناً مبيناً } وقوله : في الممتحنة : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم } إلى قوله : { الظالمون } نسخت هذه الاربع آيات بقوله : في براءة الآية التي تلوناها ، وبه قال قتادة وابن زيد :