Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-92)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى والاعراب : قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ } معناه لم يأذن الله ، ولا أباح لمؤمن أن يقتل مؤمناً فيما عهده إليه ، لأنه لو أباحه وأذن فيه ما كان خطأ . والتقدير إلا أن يقتله خطأ ، فان حكمه هكذا على ما ذكر . فذهب إلى هذا قتادة وغيره . وقوله : { إلا خطأ } استثناء منقطع - في قول أكثر المفسرين - وتقديره إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ ، وليس ذلك مما جعل الله له ، ومثله قول الشاعر : @ من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ على الارض إلا ريط برد مرجل @@ والمعنى لم تطأ على الارض إلا أن تطأ ذيل البرد ، وليس ذيل البرد من الارض . وقد ذكرنا لذلك نظائر فيما مضى ، ولا نطول باعادتها . وتقدير الآية : إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس ذلك مما جعل الله له . وقال قوم : الاستثناء متصل والمعنى : لم يكن للمؤمن أن يقتل متعمداً مؤمناً . ومتى قتله متعمداً لم يكن مؤمناً فان ذلك يخرجه من الايمان ، ثم قال : { إلا خطأ } ومعناه إن قتله له خطأ لا يخرجه من الايمان . ثم أخبر تعالى بحكم من قتل من المؤمنين مؤمناً خطأ ، فقال : { ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة } . ومعناه فعليه تحرير رقبة مؤمنة . يعني مظهرة للايمان وظاهر ذلك يقتضي أن تكون بالغة ليحكم لها بالايمان وذلك في ماله خاصة . { ودية مسلمة إلى أهله } تؤديها عنه عاقلته إلى أولياء المقتول إلا أن يصدق أولياء المقتول حينئذ تسقط عنهم . وموضع ( أن ) من قوله : { إلا أن يصدقوا } نصب ، لأن المعنى فعليه ذلك إلا أن يصدقوا النزول : وقيل : إن الآية نزلت في عياش ابن أبي ربيعة المخزومي : أخي أبي جهل ، لأنه كان أسلم ، وكان قد قتل رجلا مسلماً بعد اسلامه ، وهو لا يعلم باسلامه . وهذا قول مجاهد ، وابن جريج ، وعكرمة ، والسدي . وقالوا : المقتول هو الحارث بن يزيد بن أبي نبشية العامري . ولم يعلم أنه اسلم ، وكان أحد من رده عن الهجرة ، وكان يعذب عياشاً مع أبي جهل ، قتله بالحرة بعد الهجرة . وقيل : قتله بعد الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم باسلامه . ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر ( ع ) . وقال ابن زيد : نزلت في رجل قتله أبو الدرداء ، كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة ، فوجد رجلا من القوم في غنم له ، فحمل عليه بالسيف فقال : لا إله إلا الله ! فبدر فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم ثم وجد في نفسه شيئاً فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ألا شققت عن قلبه فقال : ما عسيت أن أجد ! هل هو إلا دم أو ماء ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه قال كيف بي يا رسول الله ؟ قال : فكيف بلا إله إلا الله ؟ ! قال فكيف بي يا رسول الله ؟ قال : وكيف بلا إله إلا الله ؟ ! حتى تمنيت أن يكون ذلك اليوم مبتدأ إيماني ، ثم نزلت هذه الآية والذي ينبغي أن يعول عليه ان ما تضمنته الآية حكم من قتل خطأ ويجوز في سبب نزول الآية كل واحد مما قيل . المعنى : وقال ابن عباس ، والشعبي ، وابراهيم ، والحسن ، وقتادة : الرقبة المؤمنة لا تكون إلا بالغة قد آمنت وصامت وصلت . فأما الطفل فانه لا يجزي ولا الكافر . وقال عطاء : كل رقبة ولدت في الاسلام فهي تجزي . والاول أقوى ، لأن المؤمن على الحقيقة لا يطلق إلا على بالغ عاقل مظهر للايمان ملتزم لوجوب الصوم والصلاة ، إلا أنه لا خلاف أن المولود بين مؤمنين يحكم له بالايمان ، فبهذا الاجماع ينبغي أن يجزي في كفارة قتل الخطأ . وأما الكافرة والمولود بين كافرين فانه لا يجزي بحال . والدية المسلمة إلى أهل القتيل هي المدفوعة إليهم موفرة غير منتقصة حقوق أهلها منها { إلا أن يصدقوا } معناه يتصدقوا فادغمت التاء في الصاد لقرب مخرجها وفي قراءة أبي { إلا أن يتصدقوا } . وقوله : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } يعني إن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم هم أعداء لكم مشركون وهو مؤمن ، فعلى قاتله تحرير رقبة مؤمنة . واختلفوا في معناه ، فقال قوم : إذا كان القتيل في عداد قوم أعداء وهو مؤمن بين أظهر هم لم يهاجر ، فمن قتله فلا دية له . وعليه تحرير رقبة مؤمنة ، لأن الدية ميراث ، وأهله كفار لا يرثونه . هذا قول ابراهيم ، وابن عباس ، والسدي ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن عياض . وقال آخرون : بل عنى به أهل الحرب من يقدم دار الاسلام فيسلم ثم يرجع إلى دار الحرب إذا مر بهم جيش من أهل الاسلام فهرب قومه وأقام ذلك المسلم فيهم فقتله المسلمون ، وهم يحسبونه كافراً . ذكر ذلك عن ابن عباس في رواية أخرى . وقوله : { فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } ومعناه إن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم وبينهم أيها المؤمنون ميثاق أي عهد وذمة وليسوا أهل حرب لكم { فدية مسلمة إلى أهله } تلزم عاقلة قاتله . وتحرير رقبة على القاتل كفارة لقتله . واختلفوا في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أهو مؤمن أم كافر ؟ فقال قوم : هو كافر إلا أنه يلزم قاتله دية ، لأن له ولقومه عهداً . ذهب إليه ابن عباس ، والزهري ، والشعبي ، وابراهيم النخعي ، وقتادة ، وابن زيد . وقال آخرون : بل هو مؤمن ، فعلى قاتله دية يؤديها إلى قومه من المشركين ، لأنهم أهل ذمة . روي ذلك أيضاً عن ابراهيم والحسن . وهو المروي في أخبارنا . إلا أنهم قالوا : يعطي ديته ورثته المسلمين دون الكفار . والميثاق هو العهد . وقد بيناه فيما مضى . والمراد ها هنا الذمة ، وغيرها من العهود وبه قال السدي والزهري ، وابن عباس والخطأ هو ان تريد شيئاً فتصيب غيره . وهو قول ابراهيم ، وأكثر الفقهاء . والدية الواجبة في قتل الخطأ مئة من الابل ان كانت العاقلة من أهل الابل - بلا خلاف - وان اختلفوا في أسنانها فقائل يقول . هي أرباع : خمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وخمس وعشرون ابنة مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون . روي ذلك عن علي ( ع ) . وقال آخرون : هي أخماس : عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون بنو لبون ، وعشرون بنت مخاض . وينسب ذلك إلى ابن مسعود . وروى الأمرين معا أصحابنا . وقال قوم : هي أرباع غير أنها ثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون بنو لبون . روي ذلك عن عثمان وزيد بن ثابت . قال الطبري : هذه الروايات متكائة . والاولى التخيير . ولا يحمل على العاقلة صلح ، ولا اقرار ، ولا ما كان دون الموضحة . وأما الدية من الذهب فالف دينار ، ومن الورق عشرة آلاف درهم . وقال بعضهم : اثني عشرألفاً والاول عندنا هو الاصح . ودية عمد الخطأ مئة من الابل مغلظة اثلاثاً - وروي أرباعاً - ثلث بنت لبون ، وثلث حقة ، وثلث جذعة . وتستأدى في سنين . ودية الخطأ في ثلاث سنين . ودية العمد إذا تراضوا بها في سنة . وأما دية أهل الذمة فقال قوم : هي دية المسلم سواء . ذهب اليه أبو بكر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وابراهيم ، ومجاهد ، والزهري ، وعامر الشعبي ، واختاره الطبري ، وأبو حنيفة وأصحابه . وقال قوم : على النصف من دية المسلم . ذهب إليه عمرو بن شعيب رواه عن عمر بن الخطاب وبه قال عمر بن عبد العزيز . وقال قوم : هي على الثلث من دية المسلم ذهب إليه سعيد بن المسيب ، والشافعي غير أنها أربعة آلاف واختلاف الفقهاء قد ذكرناه في الخلاف . وأما دية المجوسي فلا خلاف أنها ثمانمئة وكذلك عندنا دية اليهودي والنصراني . { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً } يعني فمن لم يجد الرقبة المؤمنة كفارة عن قتله المؤمن لاعتباره فعليه صيام شهرين متتابعين . واختلفوا في معناه : فقال قوم : مثل ما قلناه ذهب إليه مجاهد . وقال آخرون : { فمن لم يجد } الدية فعليه . صوم الشهرين عن الدية والرقبة . وتأويل الآية فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين ، ذهب إليه مسروق والاول هو الصحيح ، لأن دية قتل الخطأ على العاقلة ، والكفارة على القاتل باجماع الأمة على ذلك . وصفة التتابع في الصوم أن يتابع الشهرين لا يفصل بينهما بافطار يوم . وقال أصحابنا : إذا صام شهراً وزيادة ثم أفطر اخطأ وجاز له البناء . وقوله : { توبة من الله } نصب على القطع . ومعناه رجعة من الله لكم إلى التيسير عليكم بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة بايجاب صوم الشهرين المتتابعين توبة { وكان الله عليماً حكيماً } معناه لم يزل الله عليما بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه حكيماً بما يقضي فيهم . ويدبره . وقال الجبائي : انما قال : { توبة من الله } تعالى بهذه الكفارة التي يلتزمها بدرء عقاب القاتل . وذمه لأنه يجوز أن يكون عاصياً في السبب ، وإن لم يكن عاصياً في القتل من حيث أنه رمى في موضع هو منهي عنه بأن يكون رجمة ، وإن لم يقصد القتل وهذا ليس بشيء لأن الآية عامة في كل قاتل خطأ ، وما ذكره ربما اتقق في الآحاد . والزام دية قتل الخطأ العاقلة ليس هو مؤاخذة البريء بالسقيم ، لأن ذلك ليس بعقوبة بل هو حكم شرعي تابع للمصلحة . ولو خلينا والعقل ما أوجبناه . وقيل : إن ذلك على وجه المواساة والمعاونة .