Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 41-46)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة إلا ابا بكر { أدخلوا آل فرعون } بقطع الهمزة على انه يؤمر الملائكة بادخالهم النار . الباقون بوصلها بمعنى انهم يؤمرون بدخولها ، وعلى الأول يكون { آل فرعون } نصباً على انه مفعول به و { أشد } المفعول الثاني . وعلى الثاني يكون نصباً على النداء . حكى الله تعالى ان مؤمن آل فرعون قال لهم { مالي أدعوكم إلى النجاة } يعني إلى ما فيه خلاصكم : من توحيد الله وإخلاص العبادة له والاقرار بموسى عليه السلام - وهو قول الحسن وابن زيد - و { تدعونني } انتم { إلى النار } لأنهم إذا دعوا إلى عبادة غير الله التي يستحق بها النار ، فكأنهم دعوا إلى النار ، لأن من دعا الى سبب الشيء فقد دعا اليه ، ومن صرف عن سبب الشيء فقد صرف عنه ، فمن صرف عن معصية الله فقد صرف عن النار ، ومن دعا اليها فقد دعا إلى النار . والدعاء طلب الطالب الفعل من غيره ، فالمحق يدعو إلى عبادة الله وطاعته وكل ما أمر الله به او نهى عنه والمبطل يدعو إلى الشر والعصيان ، فمنهم من يدري انه عصيان ومنهم من لا يدري ثم بين ذلك فقال { تدعونني لأكفر بالله } واجحد نعمه { وأشرك به } في العبادة { ما ليس لي به علم } مع حصول العلم ببطلانه . لأنه لا يصح ان يعلم شريك له وما لا يصح أن يعلم باطل ، فدل على فساد اعتقادهم للشرك من هذه الجهة ثم قال { وأنا أدعوكم } معاشر الكفار { إلى } عبادة { العزيز } يعني القادر الذي لا يقهر ، ولا يمنع لاستحالة ذلك عليه { الغفار } لمن عصاه إذا تاب اليه تفضلا منه على خلقه . وقوله { لا جرم إن ما تدعونني إليه } قال الزجاج : هو رد الكلام كأنه قال لا محالة إن لهم النار . وقال الخليل : لا جرم لا يكون إلا جواباً تقول : فعل فلان كذا فيقول المجيب : لا جرم إنه عوين والفعل منه جرم يجرم . وقال المبرد معناه حق واستحق { ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } والمعنى ليس له دعوة ينتفع بها في أمر الدنيا ولا في الآخرة فأطلق ليس له دعوة ، لأنه ابلغ وإن توهم جاهل ان له دعوة ينتفع بها ، فانه لا يعتد بذلك لفساده وتناقضه . وقال السدي وقتادة والضحاك : معناه ليس لهذه الأصنام استجابة دعاء احد فى الدنيا ولا فى الآخرة . وقيل : معناه ليس لها دعوة تجاب بالآلهية في الدنيا ، ولا في الآخرة { وإن مردنا إلى الله } أي وجب ان مردنا إلى الله ، ووجب { وأن المسرفين } بارتكاب المعاصي . وقال مجاهد : يعني بقتل النفس من غير حلها . وقال قتادة بالاشراك بالله { هم أصحاب النار } يعني الملازمون لها . قال الحسن : هذا كله من قول مؤمن آل فرعون . ثم قال لهم على وجه التخويف والوعظ { فستذكرون } صحة { ما أقول لكم } إذا حصلتم في العقاب يوم القيامة . ثم اخبر عن نفسه فقال { وأفوض أمري إلى الله } أي اسلمه اليه { إن الله بصير بالعباد } أي عالم بأحوالهم ، وما يفعلونه من طاعة ومعصية . وقال السدي : معنى أفوض اسلم اليه . ثم اخبر تعالى فقال { فوقاه الله سيئات ما مكروا } وقال قتادة : صرف الله عنه سوء مكرهم ، وكان قبطياً من قوم فرعون فنجى مع موسى . وقوله { وحاق بآل فرعون } أي حل بهم ووقع بهم { سوء العذاب } لان الله تعالى غرقهم مع فرعون ، وبين انهم مع ذلك في { النار يعرضون عليها غدوّا وعشيا } يعني صباحاً ومساء ، ورفع النار بدلا من قوله { سوء العذاب } { ويوم تقوم الساعة } يعني إذا كان يوم القيامة يقال للملائكة { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فيمن قطع الهمزة . ومن وصلها اراد ان الله يأمرهم بذلك . والعرض إظهار الشيء ليراه الذي يظهر له . ومنه قوله { وعرضوا على ربك } أي اظهروا { صفاً } كما يظهرون للرائي لهم . ومنه قولهم : عرضت الكتاب على الأمير ، فهؤلاء يعرضون على النار لينالهم من ألمها والغم بالمصير اليها . والغدو المصير إلى الشيء بالغداة غدا يغدو غدواً . وقولهم : تغدى أي اكل بالغداة ، وغدا أي سابق إلى الأمر بالغداة . و ( قيام الساعة ) وجودها ، ودخولها على استقامة بما يقوم من صفتها ، وقامت السوق إذا حضر أهلها على ما جرت به العادة و { أشد العذاب } اغلظه . وفى الآية دلالة على صحة عذاب القبر لأنه تعالى اخبر انهم يعرضون على النار غدواً وعشياً . وقال الحسن : آل فرعون اراد به من كان على دينه . وكان السدي يقول : ارواحهم في اجواف طير سود يعرضون على النار غدواً وعشياً ، ويجوز ان يحيهم الله بالغداة والعشي ويعرضهم على النار ، ووجه الاحتجاج على رؤساء الضلال بالاتباع انهم كانوا يدعونهم إلى اتباعهم بما يدعون من صواب مذاهبهم . وهذا يلزمهم الرفع بها عنهم وأن يسعوا في تخفيف عذابهم ، فاذا هي سبب عذابهم . وقال الفراء وقوم من المفسرين - ذكره البلخي - في الكلام تقديماً وتأخيراً ، وتقديره وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، ويوم تقوم الساعة يقال : لهم ادخلوا آل فرعون اشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ، ويكون معنى غدواً وعشياً مع انهم فيها أبداً أنه تتجدد جلودهم بعد الاحتراق غدواً وعشياً . وقال قوم : يجوز ان يكون المراد انهم بعرضها ، كما يقال : فلان يعرضه شر شديد أي يقرب من ذلك . وقال قوم : يجوز ان يكون المراد إن اعمالهم اعمال من يستحق النار ، فكأنهم يغدون ويروحون اليها باعمالهم . وقال قوم : المعنى يعرضون عليها وهم أحياء بالزجر والتحذير والوعد والوعيد ، فاذا كان يوم القيامة - وماتوا على كفرهم - ادخلوا اشد العذاب .