Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 81-85)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخاطباً للكفار الذين جحدوا آياته وانكروا أدلته الدالة على توحيده وإخلاص العبادة له { ويريكم آياته } أي يعلمكم حججه ويعرفكم إياها ، منها إهلاك الأمم الماضية على ما اخبر عنهم ووجه الآية فيه انهم بعد النعمه العظيمة صاروا إلى النقم لانهم عصوا فاقتضى ذلك العصيان أولا النقمان ثانياً . وكان فيه اوضح الدليل على تثبيت القديم تعالى الذي لولاه لم يصح فعل ولا تدبير . ومنها الآية في خلق الانعام التي قدم ذكرها ، ووجه الآية فيه تسخيرها لمنافع العباد بالتصرف في الوجوه التي قد جعل كل شيء منها لما يصلح له وذلك يقتضي ان الجاعل لذلك قادر على تصريفه عالم بتدبيره ، وانما يرى الآيات بالبيان عنها الذي يحضر للناس معناها ويخطرها ببالهم ، وينبه عليها ، فانه يحتاج اولا في الآية احضارها للنفس ثم الاستدلال عليها والتمييز بين الحق والباطل منها ، فأول الفائدة إخطارها بالبال والتنبيه عليها . والثاني الاستدلال عليها إلى الحق . ثم قال { فأي آيات الله تنكرون } توبيخاً لهم على جحدها ، وقد يكون الانكار للآية تارة بجحدها أصلا . وقد يكون تارة بجحد كونها دالة على صحة ما هي دالة عليه ، والخلاف في الدلالة يكون من ثلاثة اوجه : اما في صحتها في نفسها ، او في كونها دلالة ، او فيهما . وإنما يجوز من الجهال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية وضعف الشبهة لامور : منها اتباع الهوى ودخول الشبهة التي تغطي الحجة حتى لا يكون لها في النفس منزلة . ومنها التقليد لمن ترك النظر في الأمور . ومنها السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمتنع ذلك من توليد النظر للعلم . ثم نبههم فقال { أفلم يسيروا في الأرض } بأن يمروا في جنباتها { فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم } عدداً { وأشد قوة } أي واعظم آثاراً في الارض بالأبنية العظيمة التي نبوها والقصور المشيدة التي شيدوها . وقال مجاهد : بمشيهم على أرجلهم على عظم خلقهم ، فلما عصوا وكفروا بالله اهلكهم الله واستأصلهم { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } معناه لم يغن عنهم ما كسبوه من الأموال والبنيان . وقيل ان ( ما ) بمعنى أي ، وتقديره فأي شيء اغنى عنهم كسبهم ؟ ! على وجه التهجين لفعلهم والتقريع لهم ، فتكون ( ما ) الأولى نصباً وموضع الثانية رفعاً . ثم قال تعالى { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات } يعني لما أتى هؤلاء الكفار رسلهم الذين دعوهم إلى توحيده وإخلاص العبادة له { فرحوا بما عندهم من العلم } وفى الكلام حذف ، وتقديره لما جاءتهم رسلهم بالبينات فجحدوها وانكروا دلالتها وعد الله تعالى الرسل باهلاك اممهم ونجاة الرسل فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلك . وقيل : إن المعنى فرحوا بما عندهم من العلم يعني الكفار بما اعتقدوا انه علم إذ قالوا : نحن اعلم منهم لن نعذب ولن نبعث ، فكان ذلك جهلا واعتقدوا انه علم ، فاطلق الاسم عليه بالعلم على اعتقادهم ، كما قال { حجتهم داحضة } وقال { ذق إنك أنت العزيز الكريم } يعني عند نفسك وعند قومك ، فالأول قال به الجبائي ، والثاني قول الحسن ومجاهد . وقيل : المعنى إن الكفار فرحوا بما عند الرسل فرح استهزاء وسخرية لا فرح سرور وغبطة وقوله { وحاق بهم } أي حل بهم { ما كانوا به يستهزؤن } أي جزاء ما كانوا به يسخرون برسلهم من الهلاك والعذاب . ثم اخبر تعالى عنهم انهم { فلما رأوا بأسنا } بأس الله ونزول عذابه { قالوا آمنا بالله وحده } وخلعنا الانداد من دونه { وكفرنا بما كنا به مشركين } في عبادة الله من الاصنام والاوثان فقال الله سبحانه { فلم يك ينفعهم إيمانهم } عند رؤيتهم بأس الله وعذابه ، لانهم يصيرون عند ذلك ملجئين وفعل الملجأ لا يستحق به الثواب . ثم قال { سنة الله التي قد خلت في عباده } نصب { سنة الله } على المصدر ، والمعنى طريقة الله المستمرة من فعله بأعدائه والجاحدين لنعمه واتخاذ الولايج من دونه في ما مضى مع عباده الذين كفروا به { وخسر هنالك الكافرون } لنعمه لفوتهم الثواب والجنة واستحقاقهم العذاب والكون في النار .