Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اربع آيات في البصري والشامي وخمس في ما عداه . إختلفوا في قوله " وثمود " فلم يعدها البصريون والشاميون وعدها الباقون . اخبر الله تعالى انه بعد خلق الأرض والجبال وتقدير الأقوات فيها { استوى إلى السماء وهي دخان } قال الحسن : معناه استوى امره ولطفه إلى السماء . وقال غيره : معنى الاستواء إلى السماء العمد والقصد اليها ، كأنه قال : ثم قصد اليها . واصل الاستواء الاستقامة والقصد للتدبير المستقيم تسوية له . وقوله { ثم استوى على العرش } معناه ثم استوى تدبيره بتقدير القادر عليه . وقيل إن الاستوى بمعنى الاستيلاء ، كما قال الشاعر : @ ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق @@ فاما الاستواء عن اعوجاج فمن صفات الاجسام لا يجوز ذلك على الله تعالى . وقوله { ثم استوى إلى السماء } يفيد انه خلق السماء بعد خلق الأرض وخلق الأقوات فيها ، ولا ينافي ذلك قوله { أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها } إلى قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } لان ذلك يفيد أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة ، فلما خلق الله السماء دحا بعد ذلك الأرض فبسطها ، وإنما جعل الله السموات أولا دخاناً ثم سبع سموات طباقاً ثم زينها بالمصابيح ، لما في ذلك من الدلالة على أن صانعها وخالقها ومدبرها ليس كمثله شيء من الموجودات غني عن كل شيء سواه ، وإن كل ما سواه يحتاج اليه من حيث انه قادر لنفسه لا يعجزه شيء ، عالم لنفسه لا يخفى عليه شيء . و ( الدخان ) جسم لطيف مظلم ، فالله تعالى خلق السموات اولا دخاناً ثم نقلها إلى حال السماء من الكثافة والالتئام لما في ذلك من الاعتبار واللطف لخلقه . وقوله { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين } قال ابن عباس أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بما فيها من الانهار والاشجار والثمار ، وليس هناك أمر بالقول على الحقيقة ولا إطاعة ، ولا جواب لذلك القول بل أخبر تعالى عن اختراعه السموات والأرض وانشائه لهما من غير تعذر ولا مشقة ولا كلفة ومن غير ملابسة ولا معاناة بمنزلة ما قيل : للمأمور افعل ففعل من غير تلبث ولا توقف ، فعبر عن ذلك بالأمر والطاعة وهو كقوله { كن فيكون } وقد بينا الوجه في ذلك ويكون التقدير كأنه قيل : أتينا بمن فينا طائعين أي سبحانه فعل الطبائع في ما أمر به وإنما قلنا ذلك لانه تعالى لا يأمر المعدوم ولا الجماد ، لان ذلك قبيح يتعالى الله عن ذلك ومثل ذلك قول الشاعر : @ امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويداً قد ملأت بطني @@ ونظائر ذلك كثيرة بيناها في ما مضى وإنما قال { طائعين } ولم يقل طائعتين ، لانه لما اسند الفعل اليهما وهو ما لا يكون إلا من العقلاء اخبر عنهما بالياء والنون ، وقال قطرب : لان المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء . وقال الشاعر : @ فاجهشت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني فقلت له اين الذين عهدتهم بجنبيك في حفض وطيب زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يبقى على الحدثان @@ وقوله { فقضاهن سبع سماوات في يومين } معناه جعلهن سبع سموات على اتمام خلقهن لأن القضاء جعل الشيء على إتمام وإحكام ولذلك قيل : انقضى أي قد تم ومضى ، وقضى فلان إذا مات ، لان عمره تم ومضى . وقيل : إن السماء موج مكفوف ، روي ذلك في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله . وقال الحسن : هي سبع ارضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام . وقوله { في يومين } قال السدي : خلق الله السموات وسواها يوم الخميس والجمعة وسمي جمعة لأنه جمع في خلق السموات والارض ، وإنما خلقها في يومين نظير خلق الارض في يومين ، فان قيل : قوله { خلق الأرض في يومين } وخلق الجبال والأقوات في اربعة أيام وخلق السموات في يومين يكون ثمانية ايام ، وذلك مناف لقوله { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } قلنا : لا تنافي بين ذلك ، لانه خلق السموات والارض وخلق الجبال والاشجار والاقوات في اربعة أيام منها اليومان المتقدمان ، كما يقول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة ايام ثم إلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تمام هذه العدة ، ويكون قوله { فقضاهن سبع سموات في يومين } تمام ستة أيام . وهو الذي ذكره في قوله في ستة أيام . وزال الاشكال . وقوله { وأوحى في كل سماء أمرها } قال السدي معناه جعل فيها ما اراده من ملك وغيره . وقيل معناه أوحي في كل سماء بما يصلحها { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } روي ان الكواكب في السماء الدنيا ، وهي الاقرب إلى الارض دون ما فوقها من السموات . وقوله { وحفظاً } منصوب على المعنى وتقديره جعلناها زينة وحفظاً أي وجعلناها حفظاً من استراق الشياطين السمع بالكواكب التي جعلت فيها . وقيل : حفظاً من ان تسقط على الأرض { ذلك تقدير العزيز العليم } يعني القادر الذي لا يغالب العليم بجميع الاشياء لا يخفى عليه شئ منها . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { فإن أعرضوا } يعني ان عدل الكفار عن الفكر في ما ذكرنا والتدبر لما بينا وأبوا إلا الشرك والجحود { فقل } لهم مخوفا لهم { أنذرتكم صاعقة } أي خوفتكم إياها ان ينزل بكم كما نزل بمن قبلكم ونصب ( صاعقة ) على انه مفعول ثان { مثل صاعقة عاد وثمود } التي أرسلها الله عليهم واهلكهم بها ، فقال السدي : الصاعقة اراد بها العذاب ، وقال قتادة : معناه وقيعة . وقيل : إن عاداً اهلكت بالريح والصاعقة جميعاً . وقوله { إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم } فـ ( إذ ) متعلقة بقوله { صاعقة } أي نزلت بهم إذ جاءتهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفهم ، منهم من تقدم زمانه ومنهم من تأخر عنه ، وقال الفراء : اتت الرسل إياهم ومن كان قبلهم ومن خلفهم أي وجاءتهم انفسهم رسل من بعد اولئك الرسل فيكون الهاء والميم فى خلفهم للرسل ، ويكون لهم بجعل ما خلفهم ما معهم . وقال قوم : معناه قبلهم وبعد أن بلغوا وتعبدوا بأمر الرسل الذين تقدموهم ، قال البلخي : ويجوز أن يكون المراد أتتهم اخبار الرسل من ها هنا وها هنا مع ما جاءهم منهم { ألا تعبدوا إلا الله } أي ارسلناهم بأن لا يعبدوا إلا الله وحده لا شريك له وألا يشركوا بعبادته غيره ، فقال المشركون عند ذلك { لو شاء ربنا } أن نؤمن ونخلع الانداد { لأنزل ملائكة } يدعوننا إلى ذلك ولم يبعث بشراً مثلنا ، فكأنهم انفوا من الانقياد لبشر مثلهم وجهلوا أن الله يبعث الانبياء على ما يعلم من مصالح عباده ويعلم من يصلح للقيام بها وقالوا لهم ايضاً { إنا } معاشر قومنا { بما أرسلتم به } من إخلاص العبادة والتوحيد { كافرون } جاحدون ، ثم فصل تعالى اخبارهم فقال { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق } أي تجبروا وعتوا وتكبروا على الله بغير حق جعله الله لهم بل للكفر المحض والظلم الصراح { وقالوا من أشد منا قوة } لما كان الله تعالى اعطاهم من فضله قوة تقوّا بها على اهل زمانهم ، فقال الله تعالى { أو لم يروا } ومعناه او لم يعلموا { أن الله الذي خلقهم } واخترعهم وخلق فيهم هذه القوة { أشد منهم قوة } واعظم اقتداراً { وكانوا } مع ذلك { بآيات الله } وادلته { يجحدون } أي ينكرونها ، ولا يعترفون بها .