Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 16-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى إن { الذين يحاجون في الله } أي يجادلون فى الله بنصرة مذهبهم { من بعد ما استجيب له } وقيل فى معناه قولان : احدهما - من بعد ما استجاب له الناس لظهور حجته بالمعجزات التي اقامها الله - عز وجل - والآيات التي أظهرها الله فيه ، لأنهم بعد هذه الحال فى حكم المعاندين بالبغي والحسد . قال مجاهد : كانت محاجتهم بأن قولوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن أولى بالحق منكم ، فلذلك قال الله تعالى { حجتهم داحضة } لأن ما ذكروه لا يمنع من صحة نبوة نبينا بأن ينسخ الله كتابهم وما شرعه النبي الذي كان قبله . والثاني - معناه من بعد ما استجيب للنبي دعاءه بالمعجزات التي اجاب الله تعالى دعاءه في إقامتها له . قال الجبائي : أجاب الله تعالى دعاءه فى كفار بدر حتى قتلهم الله بأيدي المؤمنين ، وأجاب دعاءه عليهم بمكة وعلى مضر من القحط والشدائد التي نزلت بهم ، وما دعا به من إنجاء الله المستضعفين من أيدي قريش فأنجاهم الله وخلصهم من ايديهم وغير ذلك مما يكثر تعداده ، فقال الله تعالى { حجتهم داحضة عند ربهم } وهي شبهة ، وإنما سماها حجة - على اعتقادهم - فلشبهها بالحجة أجرى عليها اسمها من غير اطلاق الصفة بها ، و ( داحضة ) معناه باطلة { عند ربهم وعليهم غضب من الله } أي لعن واستحقاق عقاب والاخبار به عاجلا { ولهم } مع ذلك { عذاب شديد } يوم القيامة . وقوله تعالى { الله الذي أنزل الكتاب } يعني القرآن { بالحق والميزان } فقوله { بالحق } فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة : بأن الله أنزله ليكفروا به واراد منهم الضلال والعمل بالباطل . وانزل { الميزان } يعني العدل ، لان الميزان إظهار التسوية من خلافها في ما للعباد اليه الحاجة في المعاملة او التفاضل ومثل الموازنة المعارضة والمقابلة والمقايسة ، فالقرآن إذا قوبل بينه وبين ما يدعونه ، وقويس بينهما ظهرت فضيلته ، وبانت حجته ، وعلمت دلالته ، فلذلك وصفه بالميزان . وقال مجاهد وقتادة : الميزان - ها هنا - العدل . وقال الجبائي : انزل الله عليهم الميزان من السماء وعرفهم كيف يعملون به بالحق وكيف يزنون به . وقيل : إن الحق الذي انزل به الكتاب وصفه على عقد معتقده على ما هو به من ثقة . والحق قد يكون بمعنى حكم ومعنى امر او نهي ومعنى وعد او وعيد ومعنى دليل . وقوله { وما يدريك } يا محمد ولا غيرك { لعل الساعة قريب } إنما قال ( قريب ) مع تأنيث الساعة ، لان تأنيثها ليس بحقيقي . وقيل : التقدير لعل مجيئها قريب . وإنما اخفى الله تعالى الساعة ووقت مجيئها عن العباد ، ليكونوا على خوف ويبادروا بالتوبة ، ولو عرفهم عنها لكانوا مغريين بالقبيح قبل ذلك تعويلا على التأني بالتوبة . وقوله { يستعجل بها } يعني بالساعة { الذين لا يؤمنون بها } أي لا يقرون بها ولا يصدقون لجهلهم بما عليهم فى مجيئها من استحقاق العقاب وما للمؤمنين من الثواب . وقال { والذين آمنوا } أي صدقوا بها { مشفقون منها } أي خائفون من مجيئها لعلمهم بما فيها من استحقاق العقاب والاهوال فيحذرونها { ويعلمون أنها الحق } أي ويعلمون ان مجيئها الحق الذي لا خلاف فيه . ثم قال تعالى ألا إن الذين يمارون فى الساعة لفي ضلال بعيد أي يجادلون فى مجيئها على وجه الانكار لها لفي ضلال عن الصواب وعدول عن الحق بعيد . ثم قال تعالى { الله لطيف بعباده } فلطفه بعباده إيصاله المنافع اليهم من وجه يدق على كل عاقل إدراكه ، وذلك فى الارزاق التي قسمها الله لعباده وصرف الافات عنهم ، وإيصال السرور اليهم والملاذ ، وتمكينهم بالقدرة والآلات إلى غير ذلك من ألطافه التي لا تدرك على حقيقتها ولا يوقف على كنهها لغموضها . ثم قال تعالى { يرزق من يشاء وهو القوي } يعني القادر الذي لا يعجزه شيء { العزيز } الذي لا يغالب . وقوله { من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه } قيل : معناه إنا نعطيه بالحسنة عشراً إلى ما شئنا من الزيادة { ومن كان يريد حرث الدنيا } أي من عمل الدنيا { نؤته } أي نعطيه نصيبه { منها } من الدنيا لا جميع ما يريده بل على ما تقتضيه الحكمة دون الآخرة ، وشبه الطالب بعمله الآخرة بالزارع في طلب النفع لحرثه ، وكذلك الطالب بعمله نفع الدنيا . ثم قال { وماله } يعني لمن يطلب الدنيا دون الآخرة { في الآخرة من نصيب } من الثواب والنعيم فى الآخرة . وقيل : إن الذي وعدهم الله به أن يؤتيهم من الدنيا إذا طلبوا حرث الدنيا هو ما جعل لهم من الغنيمة والفيء إذا قاتلوا مع المسلمين ، لأنهم لا يمنعون ذلك مع إظهارهم الايمان لكن ليس لهم في الآخرة نصيب من الثواب .