Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 21-25)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابو عمرو ، وابن عامر ، وابو بكر عن عاصم { يفعلون } بالياء . الباقون بالتاء . من قرأ بالياء ، فعلى أن الله يعلم ما يفعله الكفار فيجازيهم عليه . ومن قرأ بالتاء فعلى وجه الخطاب لهم بذلك . لما اخبر الله تعالى ان من يطلب بأعماله الدنيا أنه يعطيه شيئاً منها ، وانه ليس له حظ من الخير في الآخرة . وقال { أم لهم شركاء } يعني بل هؤلاء الكفار لهم شركاء في ما يفعلونه أي اشركوهم معهم في أعمالهم بأن { شرعوا لهم من الدين } الذي قلدوهم فيه { ما لم يأذن به الله } أي لم يأمر به ولا أذن فيه . ثم قال { ولولا كلمة الفصل } أي كلمة الحكم الذي قال الله : إني اؤخر عقوبتهم ، ولا أعاجلهم به فى الدنيا { لقضي بينهم } وفصل الحكم فيهم وعوجلوا بما يستحقونه من العذاب . ثم قال { وإن الظالمين } لنفوسهم بارتكاب المعاصي { لهم عذاب اليم } أي مؤلم أي هم مستحقون لذلك يوم القيامة . ثم قال { ترى الظالمين } يا محمد { مشفقين } أي خائفين { مما كسبوا } يعني من جزاء ما كسبوا من المعاصي وهو العقاب الذي استحقوه { وهو واقع بهم } لا محالة لا ينفعهم اشفاقهم منه ، ولا خوفهم من وقوعه ، والاشفاق الخوف من جهة الرقة على المخوف عليه من وقوع الأمر ، واصل الشفقة الرقة من قولهم ثوب مشفق أي رقيق ردىء ، ودين فلان مشفق أي ردىء . ثم قال { والذين آمنوا } بالله وصدقوا رسله { وعملوا } الأفعال { الصالحات } من الطاعات { في روضات الجنات } فالروضة الأرض الخضرة بحسن النبات ، والجنة الأرض التي يجنها الشجر ، والبستان التي عمها النبات أي هم مستحقون للكون فيها { لهم ما يشاؤن عند ربهم } ومعناه لهم ما يشتهون من اللذات ، لان الانسان لا يشاء الشيء إلا من طريق الحكمة او الشهوة او الحاجة فى دفع ضرر ودفع الضرر لا يحتاج اليه في الجنة ، وإرادة الحكمة تتبع التكليف ، فلم يبق بعد ذلك إلا انهم يشاؤن ما يشتهون . وقوله { عند ربهم } يعني يوم القيامة الذي لا يملك فيه الأمر والنهي غيره ، وليس يريد بـ { عند ربهم } من قرب المسافة ، لأن ذلك من صفات الاجسام . ثم قال { ذلك } يعني الكون عند ربهم وأن لهم ما يشاؤن { هو الفضل الكبير } يعني الزيادة التي لا يوازيها شيء فى كثرتها . ثم قال { ذلك } يعني ما تقدم ذكره مما يشاؤنه هو { الذي يبشر الله عباده } به ومن شدد الشين أراد التكثير ، ومن خفف ، فلأنه يدل على القليل والكثير . وقيل : هما لغتان ، وحكى الاخفش لغة ثالثة : أبشرته . ثم وصفهم فقال { الذين آمنوا } بالله وصدقوا رسله { وعملوا } الاعمال { الصالحات } . ثم قال { قل } لهم يا محمد صلى الله عليه وآله { لا أسألكم عليه } أي على ادائي اليكم { أجراً } عن الرسالة ، وما بعثني الله به من المصالح { إلا المودة في القربى } وقيل في هذا الاستثناء قولان : احدهما - إنه استثناء منقطع لان المودة فى القربى ليس من الأجر ويكون التقدير لكن أذكركم المودة فى قرابتي . الثاني - إنه استثناء حقيقة ويكون أجرى المودة فى القربي كأنه أجر ، وإن لم يكن أجر واختلفوا في معنى { المودة في القربى } فقال علي بن الحسين عليهما السلام وسعيد ابن جبير وعمرو بن شعيب : معناه أن تودوا قرابتي ، وهو المروي عن أبي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام وقال الحسن : معناه { إلا المودة في القربى } إلى الله تعالى والتودد بالعمل الصالح اليه . وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي والضحاك وابن زيد وعطاه بن دينار : معناه إلا ان تودوني لقرابتي منكم . وقالوا : كل قرشي كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة ، ويكون المعنى إن لم تودوني لحق النبوة افلا تودوني لحق القرابة . والاول هو الاختيار عندنا ، وعليه اصحابنا . وقال بعضهم : إلا ان تصلوا قرابتكم . وقال آخرون : معناه إلا ان تتقربوا إلى الله بالطاعات . ثم قال تعالى { ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً } أي من فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسناً بأن نوجب له عليها الثواب . والاقتراب الاكتساب واصله من قرفت الشيء إذا كشفت عنه ، كقولك قرفت الجلد وهو من الاعتماد والاكتساب { إن الله غفور } أي ستار على عباده معاصيهم بالتوبة وغير التوبة تفضلا منه تعالى وإحساناً منه إلى عباده { شكور } ومعناه إنه يعاملهم معاملة الشاكر في توفية الحق حتى كأنه ممن وصل اليه النفع فشكره . وقيل : معناه يجازيهم على شكرهم إياه فسماه شكراً على عادتهم في تسمية الشيء باسم ما كان سببه مجازاً ، كما قال { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ثم قال { أم يقولون افترى على الله كذباً } بمعنى بل يقولون هؤلاء الكفار إنك يا محمد افتريت على الله كذباً في ادعائك رسالة على الله فقال له تعالى { فإن يشأ الله يختم على قلبك } قال قتادة : معناه يختم على قلبك بأن ينسيك القرآن . وقيل : معناه لو حدثتك نفسك بأن تفتري على الله كذباً لطبعت على قلبك واذهبت الوحي الذي أتيتك ، لاني أمحوا الباطل واحق الحق . وقال الزجاج : معناه فان يشأ الله ان يربط على قلبك بالصبر على أذاهم لك وعلى قولهم افترى على الله كذباً { ويمحوا الله الباطل } وقوله { ويمحوا الله الباطل } رفع إلا أنه حذف الواو من المصاحف كما حذف من قوله { سندع الزبانية } على اللفظ وذهابه لالتقاء الساكنين ، وليس بعطف على قوله { يختم } لأنه رفع وبين ذلك بقوله { ويحق الحق بكلماته } أي ويثبت الحق بأقواله التي ينزلها على انبيائه يتبين بها كذب من ادعى على الله كذباً في أنه نبي ، ولا يكون كذلك { إنه عليم بذات الصدور } أي بأسرار ما في الصدور ، لا يخفى عليه شيء منها . ثم قال { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون } فتمدحه بأن يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات بأن لا يعاقب عليها دليل على ان إسقاط العقاب عندها تفضل ، ويعلم ما تفعلونه من التوبة وغيرها فيجازيكم عليها . فمن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ومن قرأ بالياء فعلى وجه الاخبار عن الغائب .