Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 26-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر ونافع { بما كسبت } بلا فاء ، وكذلك هو في مصاحف اهل المدينة واهل الشام . الباقون بالفاء ، وكذلك في مصاحفهم ، فعلى هذا يكون جزاء وعلى الأول يكون المعنى الذي أصابكم من مصيبة بما كسبت ايديكم . لما اخبر الله تعالى انه يقبل التوبة عن عباده وانه يعلم ما يفعلونه من طاعة او معصية وانه يجازيهم بحسبها ، ذكر انه { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يجيبهم بمعنى و ( الذين ) في موضع نصب ، وأجاب واستجاب بمعنى واحد ، قال الشاعر : @ وداع دعايا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ وقيل : الاستجابة موافقة عمل العامل ما يدعو اليه ، لأجل دعائه اليه ، فلما كان المؤمن يوافق بعمله ما يدعو النبي صلى الله عليه وآله من اجل دعائه كان مستجيباً له ، وكذلك من وافق بعمله داعي عقابه كان مستجيباً للداعي بالفعل . وعن معاذ بن جبل : إن الله تعالى يجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات في دعاء بعضهم لبعض . وقيل : معناه ويجيب المؤمنون ربهم في ما دعاهم اليه ، فبكون ( الذين ) في موضع رفع ، ويكون قوله { ويزيدهم } راجعاً إلى الله أي يزيدهم الله من فضله . وقيل : معناه ويستجيب دعاع المؤمنين ، ولا يستجيب دعاء الكافرين ، لأنه ثواب ولا ثواب للكافرين . وقيل : بل يجوز ان يكون ذلك إذا كان فيه لطف للمكلفين . وقوله { ويزيدهم من فضله } معناه ويزيدهم زيادة من فضله على ما يستحقونه من الثواب . وقال الرماني : الزيادة بالوعد تصير اجراً على العمل إذا كان ممن يحسن الوعد بها من طريق الوعد ، كما لو كان إنسان يكتب مئة ورقة بدينار ، ورغبه ملك في نسخ مئة ورقة بعشرة دنانير ، فانه يكون الأجرة حينئذ عشرة دنانير وإذا بلغ غاية الأجر في مقدار لا يصلح عليه اكثر من ذلك ، فانما تستحق الزيادة بالوعد . وقوله { والكافرون لهم عذاب شديد } اخبار عما يستحقه الكافر على كفره من العقاب المؤلم الشديد . وقوله { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } إخبار منه تعالى بأنه لو وسع رزقه على عباده وسوى بينهم لبطروا النعمة وتنافسوا وتغالبوا ، وكان ذلك يؤدي إلى وقوع الفساد بينهم والقتل وتغلب بعضهم على بعض واستعانة بعضهم ببعض ببذل الأموال ، ولكن دبرهم على ما علم من مصلحتهم في غناء قوم وفقر آخرين ، وإحواج بعضهم إلى بعض وتسخير بعضهم لبعض ، فلذلك قال { ولكن ينزل بقدر ما يشاء } مما يعلمه مصلحة لهم { إنه بعباده خبير بصير } يعني عالم بأحوالهم بصير بما يصلحهم مما يفسدهم . ثم قال { وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا } أى ينزله عليهم من بعد أياسهم من نزوله ، ووجه إنزاله بعد القنوط انه أدعى إلى شكر الآتي به وتعظيمه والمعرفة بمواقع إحسانه ، وكذلك الشدائد التي تمر بالانسان ، ويأتي الفرج بعدها ، تعلق الأمل بمن يأتي به وتكسب المعرفة بحسن تدبيره في ما يدعو اليه من العمل بأمره والانتهاء إلى نهيه . ونشر الرحمة عمومها لجميع خلقه ، فهكذا نشر رحمة الله مجددة حالا بعد حال . ثم يضاعفها لمن يشاء ، وكل ذلك على مقتضى الحكمة وحسن التدبير الذي ليس شئ لحسن منه { وهو الولي الحميد } معناه هو الأولى بكم وبتدبيركم المحمود على جميع افعاله لكونها منافعاً وإحساناً . ثم قال { ومن آياته } أي من حججه الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه { خلق السماوات والأرض } لأنه لا يقدر على ذلك غيره لما فيهما من العجائب والاجناس التي لا يقدر عليها قادر بقدرة { وما بث فيهما من دابة } أي من سائر اجناس الحيوان { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } أي على جمعهم يوم القيامة وحشرهم إلى الموقف بعد إماتتهم قادر ، لا يتعذر عليه ذلك . ثم قال { وما أصابكم من مصيبة } معاشر الخلق { فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال الحسن : ذلك خاص فى الحدود التي تستحق على وجه العقوبة . وقال قتادة : هو عام . وقال قوم : ذلك خاص وإن كان مخرجه مخرج العموم لما يلحق من المصائب على الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين . وقال قوم : هو عام بمعنى ان ما يصيب المؤمنين والاطفال إنما هو من شدة محنة تلحقهم ، وعقوبة للعاصين كما يهلك الاطفال والبهائم مع الكفار بعذاب الاستئصال . ولأنه قد يكون فيه استصلاح اقتضاه وقوع تلك الاجرام . وقيل قوله { ولو بسط الله الرزق لعباده } بحسب ما يطلبونه ويقترحونه { لبغوا في الأرض } فانه لم يمنعهم ذلك لعجز ، ولا بخل . وقوله { إذا يشاء } يدل على حدوث المشيئة ، لانه لا يجوز ان يكون إذا قدر على شيء فعله ولا إذا علم شيئاً فعله . ويجوز إن شاء ان يفعل شيئاً فعله . وقوله { أصابكم } قال ابو علي النحوي : يحتمل أمرين احدهما - ان يكون صلة لـ ( ما ) . والثاني - ان يكون شرطاً في موضع جزم ، فمن قدره شرطاً لم يجز سقوط الفاء - على قول سيبويه - واجاز ذلك ابو الحسن والكوفيون . وإن كان صلة فالاثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين ، فاذا ثبت الفاء كان ذلك دليلا على ان الامر الثاني وجب بالأول كقوله { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم } فثبوت الفاء يدل على وجوب الانفاق وإذا حذف احتمل الأمرين .