Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-50)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا قسم من الله تعالى بأنه أرسل موسى بالآيات الباهرات والحجج الواضحات إلى فرعون واشراف قومه وخص الملاء بالذكر ، وان كان مرسلا إلى غيرهم ، لان من عداهم تبع لهؤلاء ، فقال موسى له { إني رسول من رب العالمين } الذي خلق الخلق أرسلني اليكم . ثم اخبر تعالى فقال { فلما جاءهم بآياتنا } يعني موسى جاء إلى فرعون وملائه بالآيات والحجج { إذا هم منها } يعني من تلك الآيات { يضحكون } جهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها ، وما لم من النفع بحصول علمهم بها . وفى الخبر عن ضحك أولئك الجهال عند ظهور الآيات زجر عن مثل حالهم ودعاء إلى العلم الذي ينافي الجهل . وفيه ايضاً أنه لا ينبغي ان يلتفت إلى تضاحك أمثالهم من الأدلة إذا كان الانسان على يقين من أمره . والانبياء كلهم يشتركون فى الدعاء إلى الله باخلاص عبادته وطاعته فى جميع ما يأمر به او ينهى عنه ، ودعوتهم إلى محاسن الأفعال ومكارم الاخلاق وإن اختلفت شرائعهم وتبانيت مللهم ونسخت بعضها بعضاً . وقوله { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } معناه إنه تعالى لا يريهم يعني فرعون وقومه معجزة ولا دلالة إلا وهي اكبر من الاخرى عند إدراك الانسان لها لما يهوله من أمرها ، فيجد نفسه يقضي أنها اكبر كما يقول الانسان : هذه العلة التي نزلت بي اعظم من كل علة ، وهو يريد أن لها مزية اعظم منها لا انه ذهب هول الأولى بانصرافها وحكم الثانية بحضورها . وقال قوم : المعنى وما نريهم من آية إلا هي أهول فى صدورهم من التي مضت قبلها . ثم قال تعالى { وأخذناهم بالعذاب } إذ عصوا فيها ، وكفروا بها { لعلهم يرجعون } إلى طاعته وإنما جاز أخذهم بالعذاب ليرجعوا مع العلم بأنهم لا يرجعون لامكان أن يرجعوا اليه ، لأن كلما فى المعلوم أنه لا يقع لا يجوز أن يفعل العالم شيئاً من أجل انه سيقع ولكن يجوز أن يفعل شيئاً لامكان أن يقع والمعنى - هٰهنا - لعلهم يرجعون الى طريق الحق الذي ذهبوا عنه الى طريق الباطل . ثم حكى تعالى ما قال فرعون وملاءه لموسى عند ذلك فانهم { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } وقال قوم : إنما قالوا له يا أيها الساحر لجهلهم بنبوته وصدقه واعتقادهم انه سحرهم بذلك . وقال قوم : كان الساحر عندهم هو العالم ولم يكن صفة ذم . وقال الحسن : إنما قالوا ذلك على وجه الاستهزاء بموسى ، كما قال المشركون { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } وقال الزجاج : وجه ذلك انه جرى ذلك على ألسنتهم على عادتهم فيه قبل ذلك . وقال قوم : أرادوا يا أيها الفطن يا أيها العالم ، لأن السحر عندهم دقة النظر والعلم بالشيء كالسحر الحلال ، يقال فلان : يسحر بكلامه . وقال قوم : وخاطبوه بما تقدم تشبيهاً له بالساحر ، فقالوا له { ادع لنا ربك بما عهد عندك } معناه أن يا موسى ادع لنا ربك ليكشف عنا العذاب - فى قول مجاهد - فانه متى كشف عنا ذلك اهتدينا ورجعنا إلى الحق الذي يدعونا اليه . وفى الكلام حذف لأن تقديره فدعا موسى وسأل ربه وضرع اليه أن يكشف عنهم العذاب ، فكشف الله عنهم ذلك فاذا هم عند ذلك ينكثون . ومعناه ينقضون ما عقدوا على أنفسهم . وقال قتادة : معناه يغدرون ، وإنما أخبر الله تعالى وقص خبر موسى وما جرى له تسلية للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى إن حال موسى مع قومه وحالك مع قومك سواء ، فاصبر إن أمرك يؤل إلى الاستعلاء ، كما آل أمر موسى عليه السلام .