Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 51-60)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عشر آيات كوفي وشامي . واحدى عشرة في ما عداه ، عدوا { مهين } ولم يعده الكوفيون والشاميون . قرأ حفص عن عاصم { اسورة } بغير ألف . الباقون { أساورة } بألف . وقرأ حمزة والكسائي وخلف " سلفاً " بضم السين واللام . الباقون بفتحهما . فمن قرأ بالضم فيهما أراد جمع سليف أي جمع قد مضى من الناس . ومن قرأ " أسورة " أراد جمع سوار ، وقال أبو عبيدة : وقد يكون أسوار جمع أسورة . ومن قرأ " سلفاً " بضم السين واللام جعله جمع سليف . وقال ابو علي : ويجوز أن يكون جمع ( سلف ) مثل أسد واسد ، ووثن ووثن . ومن فتح فلأن ( فَعَلا ) جاء في حروف يراد بها الكثرة ، فكأنه اسم من اسماء الجمع ، كقولهم خادم وخدم . والفتح اكثر . وقد روي - بضم السين - وقرأ الكسائي ونافع وابن عامر " يصدون " بضم الصاد بمعنى يعرضون أي يعدلون . الباقون - بفتح الياء وكسر الصاد - بمعنى يضجون . وقيل : هما لغتان . لما حكى الله تعالى عن قوم فرعون أنه حين كشف العذاب عنهم نكثوا عهدهم وعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ، نادى فرعون في قومه الذين اتبعوه على دينه ، وقال لهم { يا قوم } على وجه التقرير لهم { أليس لي ملك مصر } أتصرف فيها كما أشاء لا يمنعني احد منه { وهذه الأنهار } كالنيل وغيرها { تجري من تحتي } أي من تحت أمري . وقيل : إنها كانت تجري تحت قصره ، وهو مشرف عليها { أفلا تبصرون } أن ما ادعيه حق وأن ما يقوله موسى باطل . وقيل : قوله { من تحتي } معناه إن النيل كانت تجري منه أنهار تحت قصره . وقيل { من تحتي } من بين يديه لارتفاع سريره . ثم قال لهم فرعون { أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين } وقال قوم : معنى ( أم ) بل . فكانه قال : بل أنا خير من موسى ، وقال قوم : مخرجها مخرج المنقطعة ، وفيها معنى المعادلة لقوله { أفلا تبصرون } أم انتم بصراء ، لأنهم لو قالوا نعم لكان بمنزلة قولهم انت خير . والاصل فى المعادلة على أي الحالين أنتم على حال البصر أم على حال خلافه . ولا يجوز ان يكون المعنى على أي الحالين أنتم على حال البصر أم حال غيرها فى أني خير من هذا الذي هو مهين ، وإنما المعادلة تفصيل ما أجمله . وقيل له - ها هنا - بتقدير أنا خير من هذا الذي هو مهين أم هو إلا أنه ذكر بـ ( أم ) لاتصال الكلام بما قبله . وحكى الفراء ( اما أنا ) وهذا شاذ على انه جيد المعنى . والمهين الضعيف - في قول قتادة والسدي - وقيل : معناه فقير . وقيل يمتهن نفسه فى جميع ما يحتاج اليه ليس له من يكفيه ، ولا يكاد يبين - وقال الزجاج للثة كانت فى لسانه . وقال قتادة : كانت فى لسانه آفة - وبه قال السدي . وقيل : إنه كان احترق لسانه بالجمر الذي وضعه فى فيه حين أراد أن يعتبر فرعون عقله لما لطم وجهه ، وأراد أن يأخذ غير النار فصرف جبرائيل يده إلى النار ، فدفع عنه القتل ، وقال الحسن : كان فى لسانه ثقل ، فنسبه إلى ما كان عليه أولا . وقوله { فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب } معناه هلا إن كان صادقاً في نبوته طرح عليه أساورة من ذهب . فمن قرأ ( أساورة ) بألف أراد جمع أسورة وأسورة جمع سوار وهو الذي يلبس فى اليد . وأما اسوار ، فهو الرامي الحاذق بالرمي ، ويقال أسوار - بالضم - ومن جعله جمع أسورة اراد أساوير ، فجعل الهاء عوضاً عن الياء . مثل الزنادقة ، فلذلك صرفه ، لانه صار له نظير فى الآحاد . ومثله فى الجمع الزنادقة . والاسورة الرجل الرامي الحاذق بالرمي من رجال العجم . وقوله { أو جاء معه الملائكة مقترنين } قال قتادة ومعناه متتابعين ، وقال السدي معناه يقارن بعضهم بعضاً . وقيل معناه متعاضدين متناصرين كل واحد مع صاحبه ممالياً له على أمره . وقال مجاهد : معناه مقترنين يمشون معه . وقوله { فاستخف قومه } يعني فرعون استخف عقول قومه ، فأطاعوه في ما دعاهم اليه ، لانه احتج عليهم بما ليس بدليل ، وهو قوله { أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } ولو عقلوا وفكروا لقالوا ليس فى ملك الانسان ما يدل على انه محق لكون ملوك كثيرة يخالفونك مبطلين عندك ، وليس يجب ان يأتي مع الرسل ملائكة ، لأن الذي يدل على صدق الجميع المعجز دون غيره . ثم اخبر الله تعالى عنهم بأنهم كانوا قوماً فاسقين خارجين عن طاعة الله إلى معصيته . ثم قال { فلما أسفونا انتقمنا منهم } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد : معنى اسفونا أغضبونا ، لأن الله تعالى يغضب على العصاة بمعنى يريد عقابهم ، ويرضى عن المطيعين بأن يريد ثوابهم بما يستحقونه من طاعاتهم ومعاصيهم كما يستحقون المدح والذم . وقيل الاسف هو الغيظ من المغتم إلا انه - ها هنا - بمعنى الغضب . ثم بين تعالى بماذا انتقم منهم ، فقال { فأغرقناهم أجمعين } ثم قال { فجعلناهم سلفاً ومثلا للآخرين } فالسلف المتقدم على غيره قبل مجيء وقته ، ومنه السلف في البيع . والسلف نقيض الخلف . ومن قرأ - بضم السين واللام - فهو جمع سليف من الناس ، وهو المتقدم أمام القوم . وقيل : معناه { جعلناهم سلفاً } متقدمين ليتعظ بهم الآخرون . وقال قتادة : جعلناهم سلفاً إلى النار ومثلا أي عظة للآخرين . والمثل بيان عن أن حال الثاني كحال الأول بما قد صار فى الشهرة كالعلم ، فحال هؤلاء المشركين كحال من تقدم فى الاشراك بما يقتضي أن يجروا مجراهم فى الاهلاك إن اقاموا على الطغيان . ثم قال الله تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } قيل : المراد بذلك لما ضرب الله المسيح مثلا بآدم فى قوله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } اعترض على النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك قوم من كفار قريش ، فانزل الله تعالى هذه الآية . ووجه الاحتجاج في شبه المسيح بآدم أن الذي قدر أن ينشىء آدم من غير ذكر قادر على إنشاء المسيح من غير ذكر ، فلا وجه لاستنكاره من هذا الوجه . وقيل : إنه لما ذكر المسيح بالبراءة من الفاحشة وانه كآدم في الخاصة ، قالوا : هذا يقتضي ان نعبده كما عبده النصارى . وقيل : انه لما نزل قوله { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } قالوا قد رضينا أن يكون آلهتنا مع المسيح . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال يوماً لعلي عليه السلام " لولا أني اخاف ان يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولا لا تمرّ بملاء إلا اخذوا التراب من تحت قدميك " انكر ذلك جماعة من المنافقين ، وقالوا : لم يرض ان يضرب له مثلا إلا بالمسيح ، فانزل الله الآية . وقوله { يصدون } بكسر الصاد وضمها لغتان . وقد قرىء بهما مثل يشد ويشد وينم وينم من النميمة . وقيل : معنى يصدون - بكسر الصاد - يضجون أي يضجون سروراً منهم بأنهم عبدوا الأوثان كما عبد النصارى المسيح ومن ضمها أراد يعرضون . ثم حكى عن الكفار انهم قالوا آلهتنا خير أم هو ؟ ! قال السدي : يعنون أم المسيح . وقال قتادة : يعنون أم محمد صلى الله عليه وآله وقيل : معنى سؤالهم آلهتنا خير ام هو ؟ انهم ألزموا مالا يلزم على ظن منهم وتوهم ، كأنهم قالوا : ومثلنا في ما نعبد مثل المسيح ، فأيهما خير أعبادة آلهتنا أم عبادة المسيح ، على انه إن قال عبادة المسيح اقر بعبادة غير الله ، وكذلك إن قال عبادة الأوثان . وإن قال ليس فى عبادة المسيح خير ، قصر به عن المنزلة التي ليست لأحد من سائر العباد . وجوابهم عن ذلك إن اختصاص المسيح بضرب من التشريف والانعام عليه لا يوجب العبادة له كما لا يوجب ذلك انه قد أنعم على غيره النعمة . ووجه اتصال سؤالهم بما قبله انه معارضة لالهية الأوثان بالهية المسيح كمعارضة إنشاء المسيح عن غير ذكر بانشاء آدم عليه السلام من غير ذكر . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ما ضربوه يعني المسيح مثلا { إلا جدلا } أي خصومة لك ودفعاً لك عن الحق ، لأن المجادلة لا تكون إلا وأحد المجادلين مبطلا . والمناظرة قد تكون بين المحقين ، لأنه قد يعارض ليظهر له الحق . ثم قال تعالى { بل هم قوم خصمون } أي جدلون فى دفع الحق بالباطل . ثم وصف المسيح عليه السلام فقال { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } أي ليس هو سوى عبد خلقناه وانعمنا عليه { وجعلناه مثلا لبني إسرائيل } قال السدي وقتادة : يعني موعظة وعبرة لهم يعتبرون به ويتعظون به . ثم قال { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة } أي بدلا منكم معاشر بني آدم ملائكة في الارض { يخلفون } بني آدم غير انه انشأ بني آدم لاسباغ النعمة عليهم . وقرأ قالون عن نافع { آلهتنا } بهمزة واحدة بعدها مدة . الباقون بهمزتين على اصولهم ، غير انه لم يفصل احد بين الهمزتين بألف ، وانما حققهما اهل الكوفة وروح . ولين الباقون الثانية . وقال ابو عبد الله بن خالويه : هي ثلاث ألفات الأولى للتوبيخ والتقرير بلفظ الاستفهام والثانية الف الجمع والثالثة اصلية . والاصل { ءالهتنا } فصارت الهمزة الثانية مدة ثم دخلت الف الاستفهام .