Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 6-10)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخبراً { وكم أرسلنا من نبي في الأولين } يعني فى الأمم الماضية ( وكم ) موضوعة للتكثير فى باب الخبر ، وهي ضدّ ( رب ) لأنها للتقليل . ثم اخبر عن تلك الامم الماضية انه كان ما يجيئهم نبي من قبل الله إلا كانوا يستهزؤن به بمعنى يسخرون منه . فالاستهزاء إظهار خلاف الابطان استصغاراً او استحقاراً فالأمم الماضية كفرت بالانبياء واحتقروا ما أتوا به ، وظنوا انه من المخاريق التي لا يعمل عليها لجهلهم وفرط عنادهم ، فلذلك حملوا أنفسهم على الاستهزاء بهم ، وهو عائد بالوبال عليهم . فان قيل : لم بعث الله الأنبياء مع علمه بأنهم يستهزؤن بهم ولا يؤمنون عنده ؟ قيل : يجوز أن يكون قوم آمنوا وإن قلوا . وإنما اخبر الله بالاستهزاء عن الاكثر ، ولذلك قال فى موضع { ومن آمن وما آمن معه إلا قليل } وايضاً فكان يجوز ان يكون لولا إرسالهم لوقع منهم من المعاصي أضعاف ما وقع عند إرسالهم ، فصار إرسالهم لطفاً فى كثير من القبائح ، فلذلك وجب وحسن ، على ان فى إرسالهم تمكينهم مما كلفوه ، لأنه إذا كان هناك مصالح لا يمكنهم معرفتها إلا من جهة الرسل وجب على الله أن يبعث اليهم الرسل ليعرّفوهم تلك المصالح ، فاذا لم يؤمنوا بهم وبما معهم من المصالح أتوا بالقبائح من قبل نفوسهم ، والحجة قائمة عليهم وقوله { فأهلكنا أشد منهم بطشاً } اخبار منه تعالى انه اهلك الذين هم اشد بطشاً من هؤلاء المشركين الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وآله ، فلذلك قال { ومضى مثل الأولين } أي وهو مثل هؤلاء الباقين ، ومعناه انكم قد سلكتم فى تكذيب الرسل مسلك من كان قبلكم فاحذروا أن ينزل بكم من الخزي ما نزل بهم . قال الحسن : أشد قوة من قومك . ثم قال { ولئن سألتهم } يعني الكفار { من خلق السماوات والأرض } بأن انشاءها واخترعها { ليقولن } أي لم يكن جوابهم في ذلك إلا أن يقولوا { خلقهن } يعني السموات والارض { العزيز } الذي لا يغالب ولا يقهر { العليم } بمصالح الخلق ، وهو الله تعالى ، لانهم لا يمكنهم أن يحلفوا فى ذلك على الاجسام والأوثان لظهور فساد ذلك ، وليس في ذلك ما يدل على انهم كانوا عالمين بالله ضرورة ، لانه لا يمتنع أن يكونوا عالمين بذلك استدلالا وإن دخلت علهيم شبهة فى انه يستحق العبادة ، سواه . وقال الجبائي لا يمتنع أن يقولوا بذلك تقليداً لأنهم لو علموه ضرورة لعلموا أنه لا يجوز أن يعبد معه غيره وهو الذي يليق بمذهبنا في المواقاة . ثم وصف العزيز العليم الخالق للسموات والارض فقال هو { الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلا } تسلكونها لكي تهتدوا إلى مقاصدكم فى اسفاركم . وقيل : معناه لتهتدوا إلى الحق فى الدين والاعتبار الذي جعل لكم بالنظر فيها .