Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 51-59)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر ونافع { في مقام } بضم الميم ، وهو موضع الاقامة . الباقون بفتح الميم ، وهو موضع القيام . لما اخبر الله تعالى عن الكفار وما يفعله بهم من انواع العقاب ، أخبر عن حال المطيعين وما أعده لهم من الثواب ، فقال { إن المتقين } يعني الذين يجتنبون معاصيه لكونها قبائح ، ويفعلون طاعاته لكونها طاعة { في مقام أمين } أي موضع إقامة - فيمن ضم الميم - ومن فتحها يريد أنهم فى موضع قيامهم ، ووصفه بأنهم في { مقام أمين } من كل ما يخاف ، وليس هذا فى الدنيا ، لانه لا يخلو منها احد من موقف خوف من مرض او أذى او غير ذلك . ثم بين ذلك المقام فقال { في جنات } يعني بساتين تجنها الأشجار { وعيون } ماء نابعة فيها { يلبسون من سندس واستبرق } فالسندس الحرير - في قول الحسن . والاستبرق الديباج الغليظ - في قول قتادة - وإنما رغبهم في ذلك بحسب ما كانوا يعرفونه ، وإن كان - ههنا - ما هو ارفع منها واحسن { متقابلين } أي يقابل بعضهم بعضاً بالمحبة ، لا متدابرين بالبغضة . ثم قال ومثل ما فعلنا بهم { كذلك وزوجناهم بحور عين } فالحور جمع حوراء من الحور ، وهو شدة البياض . وقال قتادة { بحور } أي ببيض ، ومنه الحور لبياضه ، وحورته أي بيضته من حار يحور أي رجع إلى الحالة الأولى كما يرجع إلى حال الأبيض ، ومنه المحور " والعين " جمع عيناء وهي الواسعة العين الحسنة ، وكذلك لهم فى حكم الله . وقال الحسن : العيناء الشديدة السواد سواد العين ، الشديدة البياض بياضها { يدعون فيها بكل فاكهة آمنين } أي يستدعون أي ثمرة شاؤا غير خائفين فوتها . ثم قال { لا يذوقون فيها } يعني في الجنة { الموت إلا الموتة الأولى } شبه الموت بالطعام الذي يذاق وينكر عند المذاق . ثم نفى ذلك ، وانه لا يكون ذلك فى الجنة ، وإنما خصهم بأنهم لا يذوقون الموت مع أن جميع الحيوان يوم القيامة لا يذوقون الموت ، لما في ذلك من البشارة لهم بانتهاء ذلك إلى الحياة الهنيئة فى الجنة ، فأما من يكون فيها هو كحال الموت في الشدة ، فلا يطلق له هذه الصفة ، لانه يموت موتات كثيرة بما يلاقي ويقاسي من الشدة ، واما غير المكلفين ، فليس مما يعقل ، فتلحقه هذه البشارة وإن عم ذلك اهل الجنة . وقوله { إلا الموتة الأولى } قيل ان ( إلا ) بمعنى ( بعد ) كأنه قال بعد الموتة الاولى . وقيل : معنى ( إلا ) سوى كأنه قال : سوى الموتة الأولى . وقيل : إنها بمعنى ( لكن ) وتقديره لكن الموتة الأولى قد ذاقوها . وقال الجبائي : هذا حكاية حال المؤمنين فى الآخرة ، فلما اخبرهم بذلك فى الدنيا ، وهم لم يذوقوا بعد الموت جاز أن يقال لا يذوقون الموت فى المستقبل إلا الموتة الأولى يخرجون بها من دار التكليف ، وهذا ضعيف ، لان في ذلك خبر عن حكمهم فى الجنة وأنهم لا يذوقون فيها الموت ثم استثنى من ذلك الموتة الأولى ، وكيف يرد إلى دار الدنيا ؟ ! وحقيقة ( إلا ) إخراج بعض عن كل وحقيقة ( بعد ) إخراج الثاني عن الوقت الاول . وقوله { ووقاهم عذاب الجحيم } أي يصرف عنهم عذاب النار ، وليس في ذلك ما يدل على أن الفاسق الملي لا يعذب ويخرج من النار ، من حيث أنه لا يكون قد وقي النار ، لانه يحتمل أمرين : احدهما - ان يكون ذلك مخصوصاً بمن لا يدخل النار ممن لا يستحقه او بمن عفي عنه . والثاني - ان يكون المراد { ووقاهم عذاب الجحيم } على وجه التأبيد او على الوجه الذي يعذب عليه الكفار . ثم بين أن ذلك فضل من الله ، ونصبه على المصدر ، وتقديره فضل فضلا منه تعالى . واخبر بأن { ذلك هو الفوز العظيم } يعني الفلاح العظيم . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { إنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } يعنى باللغة العربية ليفقهوه ويتفكروا فيه ، فيعلموا ان الامر على ما قلناه . ثم أمره صلى الله عليه وآله فقال { فارتقب } أي انتظر يا محمد مجيء ما وعدتك به { إنهم منتظرون } ايضاً وهو قول قتادة ، وإنما قال فيهم { إنهم منتظرون } لانهم في مثل حال المنتظر فى انه سيأتيه عاقبة حاله كما يأتي المنتظر .