Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا قسم به من الله تعالى بأنه أعطى بني إسرائيل الكتاب يعني التوراة وآتاهم الحكم ، وهو العلم بالفصل بين الخصمين وبين المحق والمبطل ، يقال : حكم في الامر يحكم حكما ، وحكمته فى أمري تحكيماً ، واحكم العمل إحكاماً ، واستحكم الشيء استحكاماً ، وحاكمته إلى الحاكم محاكمة { ورزقناهم من الطيبات } فالرزق العطاء الجاري على توقيت وتوظيف فى الحكم ، وإنما قلنا فى الحكم ، لانه لو حكم بالعطاء الموقت فى الأوقات الدائرة على الاستمرار لكان رازقاً وإن أقتطعه ظالم عن ذلك العطاء . ثم قال { وفضلناهم على العالمين } والتفضيل جعل الشيء أفضل من غيره باعطائه من الخير مالم يعط غيره أو بالحكم لأنه افضل منه ، فالله تعالى فضل بني إسرائيل بما أعطاهم على عالمي زمانهم . قال الحسن : فضلهم الله على أهل زمانهم وقال قوم : فضلهم بكثرة الأنبياء منهم على سائر الامم ، وإن كانت أمة محمد صلى الله عليه وآله أفضل فى كثرة المطيعين لله ، وكثرة العلماء منهم ، كما تقول هذا أفضل فى علم النحو ، وذاك فى علم الفقه ، فأمة محمد صلى الله عليه وآله افضل فى علو منزلة نبيها عند الله على سائر الانبياء ، وكثرة العلماء منهم والعاملين بالحق لقوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فأولئك خالف اكثرهم أنبياءهم ووافق كثير من هؤلاء علماءهم واخذوا عنهم واقتبسوا من نورهم ، والفضل الخير الزائد على غيره وأمة محمد صلى الله عليه وآله أفضل بفضل نبيها . ثم قال { وآتيناهم } يعني اعطيناهم { بينات من الأمر } أي دلالات وبراهين واضحات من الأمر ثم قال { فما اختلفوا } أي لم يختلفوا { إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } فالاختلاف اعتقاد كل واحد من النفيسين ضد ما يعتقده الآخر إذا كان اختلافاً فى المذهب ، وقد يكون الاختلاف فى الطريق بأن يذهب احدهما يمنة ، والآخر يسرة ، وقد يكون الاختلاف فى المعاني بأن لا يسد احدهما مسد الآخر في ما يرجع إلى ذاته . وإختلاف بني إسرائيل كان في ما يرجع إلى المذاهب . وقوله { بغياً بينهم } نصب على المصدر ، ويجوز ان يكون على انه مفعول له أي اختلفوا للبغي وطلب الرياسة . ومعنى البغي الاستعلاء بالظلم ، وهو خلاف الاستعلاء بالحجة . والبغي يدعو إلى الاختلاف لما فيه من طلب الرفعة بما لا يرجع إلى حقيقة ولا يسوغ فى الحكمة ، وإنما كان ذلك طلباً للرياسة والامتناع من الانقياد للحق بالانفة ، ثم قال { إن ربك } يا محمد { يقضي بينهم يوم القيامة } أي يحكم ويفصل بين المحق منهم والمبطل في ما كانوا يختلفون في دار التكليف ، وقيل : الحكم العلم بالفصل بين الناس فى الامور . ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { ثم جعلناك } يا محمد { على شريعة من الأمر } فالشريعة السنة التي من سلك طريقها أدته إلى البغية كالشريعة التي هي طريق إلى الماء ، وهي علامة منصوبة على الطريق إلى الجنة كأداء هذا الى الوصول إلى الماء ، فالشريعة العلامات المنصوبة من الأمر والنهي المؤدية إلى الجنة ، ثم قال { فاتبعها } يعني اعمل بهذه الشريعة { ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } الحق ولا يفصلون بينه وبين الباطل . ثم اخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً } يعني هؤلاء الكفار لا يغنون عنك شيئاً { وإن الظالمين } نفوسهم { بعضهم أولياء بعض } بفعل المعاصي { والله ولي المتقين } الذين يجتنبون معاصيه ويفعلون طاعاته . ثم قال { هذا } يعني هذا الذي ذكرناه { بصائر للناس } أي ما يتبصرون به واحدها بصيرة { وهدى } أي ودلالة واضحة { ورحمة } أي ونعمة من الله عليهم { لقوم يوقنون } بحقيقة ذلك . وإنما اضافه إلى المؤمنين لانهم الذين انتفعوا به دون الكفار الذين لا يفكروا فيه .