Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 21-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { سواء } نصباً . الباقون بالرفع . وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { غشوة } على التوحيد الباقون { غشاوة } على الجمع . من رفع { سواء } جعله مبتدأ وما بعده خبراً عنه ، ويكون الوقف على قوله { وعملوا الصالحات } تاماً . ويجعل الجملة فى موضع النصب ، لأنها خبر لـ ( جعل ) ورفع ( سواء ) لانه اسم جنس لا يجري على ما قبله كما لا تجري الصفة المشبهة بالمشبهة إذا كانت لسبب الاول كذلك نحو قولك : مررت بزيد خير منه أبوه . فمثل هذا فى الحال والخبر والصفة سبيلة واحد إذا كانت لسبب الاول . ومن نصب { محياهم ومماتهم } جعل ( سواء ) فى موضع ( مستو ) وعامله تلك المعاملة ، فجعل في موضع المفعول الثاني ( أن نجعلهم ) والهاء والميم المفعول الاول ، وإن جعلت { كالذين آمنوا } المفعول الثاني نصب ( سواء ) على الحال وهو وقف حسن . ويرفع ( محياهم ) بمعنى استوى محياهم ومماتهم . ومن قرأ { غشوة } جعله كالرجفة والخطفة . ومن قرأ { غشاوة } جعله مصدراً مجهولا ، والفعلة المرة الواحدة ، وقال قوم هما لغتان بمعنى واحد . وحكي الضم ايضاً . وقيل : في الضمير في قوله { سواء محياهم ومماتهم } قولان : احدهما - إنه ضمير للكفار دون الذين آمنوا . والثاني - انه ضمير للقبيلين . فمن جعل الضمير للكفار قال ( سواء ) على هذا القول مرتفع بأنه خبر ابتداء متقدم وتقديره محياهم ومماتهم سواء أي محياهم محيا سواء ومماتهم كذلك ، فعلى هذا لا يجوز النصب في ( سواء ) لانه إثبات الخبر بأن محياهم ومماتهم يستويان في الذم والبعد من رحمة الله . ومن قال الضمير يرجع إلى القبيلين قال يجوز ان ينتصب ( سواء ) على انه مفعول ثان لانه ملتبس بالقبيلين جميعاً ، وليس كذلك الوجه الاول ، لأنه للكفار دون المؤمنين ، فلا يلتبس بالمؤمن حيث كان للكفار دونهم يقول الله تعالى على وجه التوبيخ للكفار على معاصيهم بكفرهم بلفظ الاستفهام { أم حسب } ومعنى ( أم ) يحتمل ان تكون الهمزة وتقديره أحسب الذين اجترحوا السيئات ، والحسبان هو الظن . وقد بيناه في ما مضى . والأجتراح الاكتساب اجترح السيئة اجتراحاً أي اكتسبها من الجراح ، لأن له تأثيراً كتأثير الجراح . ومثله الاقتراف ، وهو مشتق من قرف القرحة . والسيئة التي يسواء صاحبها ، وهي الفعلة القبيحة التي يستحق بها الذم ، والحسنة هي التي يسر صاحبها بأستحقاق المدح بها عليها ، ووصفها بهذا يفيد هذا المعنى . وقال الرماني : القبيح ما ليس للقادر عليه ان يفعله . والحسن هو ما للقادر عليه أن يفعله قال : وكل فعل وقع لا لأمر من الأمور ، فهو لغو لا ينسب إلى الحكمة ولا السفه . والجعل تصيير الشيء على صفة لم يكن عليها ، وهو انقلاب الشيء عما كان قادراً عليه . والمعنى أيظن هؤلاء الكفار المرتكبون للمعاصي الذين اكتسبوا القبائح أن يحكم لهم بحكم المؤمنين المعترفين بتوحيد الله المصدقين لرسله العاملين بطاعته ؟ ! . ثم اخبر عن الكفار فقال { سواء محياهم ومماتهم } أي هم متساون حال كونهم أحياء وحال كونهم أمواتاً ، لأن الحي متى لم يفعل الطاعات فهو بمنزلة الميت وقال مجاهد : المؤمن يموت على ايمانه ويبعث عليه . والكافر يموت على كفره ويبعث عليه . ثم قال { ساء ما يحكمون } أي بئس الشيء الذي يحكمون به في هذه القصة . وإنما قال { يحكمون } مع ان الحكم مأخوذ من الحكمة ، وهي حسنة لأن المراد على ما يدعون من الحكمة ، كما قال { حجتهم داحضة عند ربهم } وقوله { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } . ثم قال تعالى { وخلق الله السماوات والأرض بالحق } أي للحق لم يخلقهما عبثاً ، وانما خلقهما لمنافع خلقه بأن يكلفهم فيها ويعرضهم للثواب الجزيل { ولتجزى كل نفس بما كسبت } من ثواب طاعة او عقاب على معصية { وهم لا يظلمون } أي لا يبخسون حقوقهم . ثم قال { أفرأيت من اتخذ } يا محمد { إلهه هواه } وانما سمي الهوى إلهاً من حيث أن العاصي يتبع هواه ويرتكب ما يدعوه اليه ولم يريد انه يعبد هواه أو يعتقد أنه يحق له العبادة ، لأن ذلك لا يعتقده احد . قال الحسن : معناه اتخذ إلهه بهواه ، لأن الله يحب أن يعرف بحجة العقل لا بالهوى . وقال سعيد بن جبير كانوا يعبدون العزى وهو حجر أبيض حيناً من الدهر ، فاذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر . وقال ابن عباس : معناه أفرايت من اتخذ دينه ما يهواه لانه يتخذه بغير هدى من الله ولا برهان . وقوله { وأضله الله على علم } معناه حكم الله بضلاله عالماً بعدوله عن الحق . ويحتمل ان يكون المعنى يعدل الله به عن طريق الجنة إلى طريق النار جزاء على فعله ، عالماً بأنه يستحق ذلك { وختم على سمعه وقلبه } وقد فسرناه في ما مضى . ومعناه أنه يجعل عليهما علامة تدل على كفره وضلاله واستحقاقه للعقاب ، لا أنه يفعل فيهما ما يمنع من فعل الايمان والطاعات { وجعل على بصره غشاوة } شبهه بمن كان على عينه غشاوة تمنعه من الابصار ، لان الكافر إذا كان لا ينتفع بما يراه ولا يعتبر به ، فكأنه لم يره ، ثم قال { فمن يهديه } إلى طريق الجنة او من يحكم بهدايته { من بعد الله } إن حكم الله بخلافه { أفلا تذكرون } أي افلا تتفكرون فتعلمون ان الأمر على ما قلناه . ثم حكى تعالى عن الكفار أنهم { قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } أي ليس الحياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها فى دار الدنيا { نموت ونحيا } وقيل في معناه ثلاثة اقوال : احدها - انه على التقديم والتأخير وتقديره ونحيا ونموت من غير رجوع ولا بعث على ما تدعون . والثاني - ان يكون المراد نموت ويحيا أولادنا كما يقال ما مات من خلف ابناً مثل فلان والثالث - ان يكون المعنى يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، كما قال تعالى { فاقتلوا أنفسكم } أي ليقتل بعضكم بعضاً . ثم حكى انهم يقولون { وما يهلكنا إلا الدهر } يعنون مرور الليل والنهار والشهور والاعوام ثم اخبر تعالى فقال { وما لهم بذلك من علم } أي ليس لهم بما يقولونه علم { إن هم إلا يظنون } أي وليس هم في ما يذكرونه إلا ظانين وإنما الأمر فيه بخلافه . ثم قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } أي إذا قرئت عليهم حججنا الظاهرة { ما كان حجتهم إلا أن قالوا } يعني لم يكن لهم فى مقابلتها حجة إلا قولهم { ائتوا بآبائنا } الذين ماتوا وبادوا { إن كنتم صادقين } فى أن الله يعيد الأموات ويبعثهم يوم القيامة . وإنما لم يجبهم الله إلى ذلك ، لانهم قالوا ذلك متعنتين مقترحين لا طالبين الحجة .