Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 6-10)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قال تعالى إنه لا أحد أضل عن طريق الحق ممن يدعو من لا يستجيب له ، يعني الاصنام التي عبدوها وإنهم عن دعائهم غافلون ايضاً ، ذكر انه { إذا حشر الناس } يوم القيامة وبعثهم الله للثواب والعقاب { كانوا لهم أعداء } يعني هذه الاوثان التي عبدوها ينطقهم الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعو إلى عبادتها او شعرت بذكر من أمرها { وكانوا بعبادتهم كافرين } يعني يكفرون بعبادة الكفار لهم ويجحدون ذلك . ثم وصفهم ايضاً فقال { وإذا تتلى عليهم } يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم { آياتنا } أى أدلتنا التي انزلناها من القرآن ونصبناها لهم . والآية الدلالة التى تدل على ما يتعجب منه ، قال الشاعر : @ بآية يقدمون الخيل زوراً كأن على سنابكها مداماً @@ ويروى مناكبها و { بينات } أى واضحات { قال الذين كفروا } بوحدانية الله وجحدوا نعمه { للحق لما جاءهم } يعني القرآن ، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وآله { هذا سحر مبين } أى حيلة لطيفة ظاهرة ، ومن اعتقد ان السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف . ومن قال انه معجزة كان كافراً ، لانه لا يمكنه مع هذا القول ان يفرق بين النبي والمتنبي . ثم قال { أم يقولون افتراه } أي بل يقولون اختلقه واخترعه فقال الله تعالى له { قل } لهم { إن } كنت { افتريته } وأخترعته { فلا تملكون لي من الله شيئاً } أي ان كان الأمر على ما تقولون إني ساحر ومفتر لا يمكنكم أن تمنعوا الله مني إذا أراد اهلاكي على افترائي عليه { هو أعلم بما تفيضون فيه } يقال : أفاض القوم فى الحديث إذا مضوا فيه ، وحديث مستفيض أي شائع ، من قولكم هذا سحر وافتراء ، ثم قل لهم { كفى به } يعني بالله { شهيداً بيني وبينكم } يشهد للمحق منا والمبطل { وهو الغفور } لذنوب عباده { الرحيم } بكثرة نعمه عليهم . وفي ذلك حث لهم على المبادرة بالتوبة والرجوع إلى طريق الحق ، ثم قال { قل } يا محمد صلى الله عليه وآله { ما كنت بدعاً من الرسل } فالبدع الاول فى الأمر يقال : هو بدع من قوم أبداع قال عدي بن زيد : @ فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤس واسعد @@ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : معناه ما كنت بأول رسول بعث وقوله { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } قال الحسن : معناه لا أدري ما يأمرني الله تعالى فيكم من حرب او سلم او تعجيل عقابكم او تأخيره . وقال قل لهم { إن أتبع إلا ما يوحي إلي } أي لست اتبع فى أمركم من حرب او سلم او امر او نهي إلا ما يوحي الله إليّ ويأمرني به { وما أنا إلا نذير مبين } أي لست إلا مخوفاً من عقاب الله ومحذراً من معاصيه ومرغباً فى طاعاته . وقيل : إن اصحاب النبي صلى الله عليه وآله شكوا إليه ما يلقون من اهل مكة من الأذى ، فقال لهم " إني رأيت فى المنام أني اهاجر إلى ارض ذات نخل وشجر " ففرحوا بذلك ، فلما تأخر ذلك ، قالوا : يا رسول الله ما نرى ما بشرتنا به فانزل الله الآية . وقوله { مبين } معناه مظهر لكم الحق فيه . ثم قال { قل } لهم يا محمد { أرأيتم إن كان من عند الله } يعني هذا القرآن { وكفرتم به } يعني بالقرآن { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وعون بن مالك الاشجعي صحابي ، وابن زيد : نزلت الآية فى عبد الله بن سلام ، وهو الشاهد من بني اسرائيل ، فروي أن عبد الله بن سلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله سل اليهود عني فهم يقولون هو أعلمنا ، فاذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك وأن صفاتك فيها واضحة ، فلما سألهم عن ذلك ، قالوا ذلك ، فحينئذ اظهر ابن سلام إيمانه وأوقفهم على ذلك ، فقالوا هو شرّنا وابن شرنا . وقال الفراء : هو رجل من اليهود . وقال مسروق : الشاهد من بني إسرائيل هو موسى عليه السلام شهد على التوراة كما شهد النبي صلى الله عليه وآله على القرآن ، قال : لان السورة مكية وابن سلام أسلم بالمدينة . وقوله { فآمن واستكبرتم } عن الايمان وجواب { إن كان من عند الله } محذوف . قال الزجاج : تقديره { فآمن واستكبرتم } فلا تؤمنون . وقال غيره تقديره فآمن واستكبرتم إنما تهلكون . وقال الحسن : جوابه فمن أضل منكم . ثم اخبر تعالى فقال { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } ويحتمل أمرين : احدهما - إنه لا يهديهم إلى الجنة لاستحقاقهم العقاب . والثاني - إنه لا يحكم بهداهم لكونهم ضلالا ظالمين . ولا يجوز ان يكون المراد لا يهديهم إلى طريق الحق ، لأنه تعالى هدى جميع المكلفين بأن نصب لهم الأدلة على الحق ودعاهم إلى اتباعه ، ورغبهم فى فعله . وقد قال { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فبين أنه هداهم إلى الحق وإن اختاروا هم الضلال .