Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 36-38)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى مزهداً لخلقه فى الانعكاف على الدنيا ، ومرغباً لهم في التوفر على عمل الآخرة { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } وإنما زهدهم فى الدنيا لكونها فانية ورغبهم فى الآخرة لكونها باقية ، فمن اختار الفاني على الباقي كان جاهلا ومنقوصاً ومعنى { الحياة الدنيا لعب ولهو } أي ذات لعب ولهو ، لأن غالب أمر الناس فى الدنيا اللعب واللهو ، وذلك عبث وغرور وانصراف عن الحد الذي يدوم به السرور والحبور ، وقيل : شبهت باللعب واللهو لانقطاعها عن صاحبها بسرعة ، فالتقدير على هذا إنما الحياة الدنيا كاللعب واللهو فى سرعة الانقضاء ، والآخرة كالحقيقة فى اللزوم والامتداد ، فاحداهما كالحقيقة ، والأخرى كالمخرقة . ثم قال { وإن تؤمنوا } بوحدانيته وتصديق رسوله { وتتقوا } معاصيه { يؤتكم أجوركم } على ذلك وثوابكم على طاعتكم { ولا يسألكم أموالكم } أن تدفعوها اليه . وقيل { لا يسألكم أموالكم } كلها وإن أوجب عليكم الزكاة في بعض أموالكم . وقيل المعنى { لا يسألكم أموالكم } بل أمواله ، لانه تعالى مالكها والمنعم بها . ثم بين تعالى لم لا يسألهم أموالهم ، فقال { إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم } فالاحفاء الالحاح فى المسألة حتى ينتهى إلى مثل الحفاء ، والمشي بغير حذاء ، احفاه بالمسألة يحفيه إحفاء . وقيل الاحفاء طلب الجميع { تبخلوا } أي تمنعونه . والبخل قال قوم : هو منع الواجب . وقال الرماني : البخل منع النفع الذي هو أولى فى العقل ، قال : ومن زعم أن البخل منع الواجب عورض بأن البخل منع ما يستحق بمنعه الذم ، لأن البخيل مذموم بلا خلاف ، وقد يمنع الواجب الصغير فلا يجوز وصفه بأنه بخيل { ويخرج أضغانكم } لأن في سؤال الأموال بالاحفاء خروج الاضغان وهي الاحقاد التي فى القلوب والعداوات الباطنة . وقيل ( الاضغان ) هي المشاق التي فى القلوب ، ولذلك ذكر الاخراج . وقيل : ويخرج الله المشقة التي في قلوبكم بسؤال أموالكم . وإنما قدم المخاطب على الغائب فى قوله { أن يسألكموها } لأنه ابتداء بالاقرب مع انه المفعول الاول ، ويجوز مع الظاهر أن يسألها جماعتكم ، لأنه غائب مع غائب ، فالمتصل أولى بأن يليه من المنفصل . ثم قال { ها أنتم هؤلاء } وإنما كرر التنبيه فى موضعين للتوكيد ، فقال { ها أنتم هؤلاء } وقيل ( ها ) للتقريب ، ودخل على المضمر لمشاكلة ( اليهم ) في انه معرفة تصلح صيغته لكل مكنى عنه على جهة جماعة المخاطب ، كما يصلح ( هؤلاء ) لكل خاص مشار اليه ، ولم يجز مع الظاهر لبعده من المبهم . وقال بعضهم : العرب إذا زادت التقريب جعلت المكنى بين ( ها ) وبين ( ذا ) ، فيقولون ما أنت ذا قائماً ، لان التقريب جواب الكلام فربما اعادت ( ها ) مع ( ذا ) وربما اجتزأت بالاولى وحذفت الثانية ، ولا يقدمون ( أنتم ) على ( ها ) لأن ( ها ) جواب ، فلا يقرب بها بعد الكلمة . وقوله { تدعون لتنفقوا في سبيل الله } لينيلكم الجزيل من ثوابه وهو غني عنكم وعن جميع خلقه { فمنكم من يبخل } فلا ينفق ماله فى سبيل الله . ثم قال { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } أي عن داعي نفسه ، لا عن داعي ربه لأن الله قد صرفه عن البخل بالنهي عنه والذم له . ثم قال { والله الغني } الذي ليس بمحتاج لا اليكم ولا إلى احد { وأنتم الفقراء إليه وإن تتولوا } أي ان تعرضوا عن أمره ونهيه ولا تقبلونهما ، ولا تعملون بما فيهما { يستبدل قوماً غيركم } قال قوم يستبدل الله بهم من فى المعلوم أنهم يخلقون بعد ، ويجوز أن يكونوا من الملائكة وقيل : هم قوم من اليمن ، وهم الانصار . وقيل : مثل سلمان واشباهه من ابناء فارس ، ولم يجز الزجاج أن يستبدل الملائكة ، لانه لا يعبر بالقوم عن الملائكة ، لا يكونوا أمثالكم ، لأنهم يكونون مؤمنين مطيعين ، وأنتم كفار عاصون . وقال الطبري لا يكونوا أمثالكم فى البخل والانفاق فى سبيل الله ، ولما نزلت هذه الآية فرح النبي صلى الله عليه وآله وقال : " هي أحب إلي من الدنيا " .