Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { كلم الله } على الجمع . الباقون { كلام الله } على التوحيد ، لانه يدل على الكثير من حيث هو اسم جنس ، قال ابو علي { كلام الله } يقع على ما يفيد ، والكلم يقع أيضاً على الكلام ، وعلى ما لا يفيد والكلم جمع كلمة . وقرأ حمزة والكسائي { ضراً } بالفتح . الباقون بالضم . فمن قرأ - بالفتح - أراد المصدر . ومن قرأ بالضم أراد الاسم . وقيل بالفتح ضد النفع وبالضم سوء الحال ، كقوله { مسني الضر } ويقال : ضرني الشيء وأضرني ، ولا يقال : أضربي ، وضره يضره وضاره يضيره بمعنى واحد . هذا اخبار عن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله انه { سيقول لك } يا محمد { المخلفون من الأعراب } قال ابن اسحاق ومجاهد : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى مكة عام الحديبية أحرم بعمرة ودعا الاعراب الذين حول المدينة إلى الخروج ، فتثاقلوا : أسلم وغفار وجهينة ومزينة ، فاخبر الله تعالى بذلك . والمخلف هو المتروك فى المكان خلف الخارجين عن البلد ، وهو مشتق من المتخلف وضده المتقدم . تقول خلفته كما تقول قدمته تقديماً ، وإنما تخلفوا لتثاقلهم عن الجهاد وإن اعتذروا بشغل الأموال والاولاد . والاعراب الجماعة من عرب البادية ، وعرب الحاضرة ليسوا بأعراب ، ففرقوا بينهما ، وإن كان اللسان واحد . وقوله { شغلتنا أموالنا وأهلونا } أخبار بما اعتلوا به ، فالشغل قطع العمل عن عمل ، لا يمكن الجمع بينهما لتنافى أسبابهما كالكتابة والرمي عن القوس والله لا يشغله شأن عن شأن لانه لا يعمل بآلة . وقوله { فاستغفر لنا } حكاية ما قالوه للنبي وسألوه أن يستغفر لهم والاستغفار طلب المغفرة بالدعاء مع التوبة عن المعاصي فهؤلاء سألوا الدعاء بالمغفرة ، وفي قلوبهم خلاف ما أظهروه بافواههم ففضحهم الله وهتك أستارهم ، وأبدى ما نافقوا به فى جهادهم ، فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم } . ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } لا يقدر احد على دفعه { أو أراد بكم نفعاً } لا يقدر احد على إزالته { بل كان الله بما تعملون خبيراً } أي عالماً نافعاً لكم لا يخفى عليه شيء منها ، ثم قال له قل لهم { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً } أي ظننتم انهم لا يرجعون ويقتلون ويصطلمون . وهو قول قتادة { وزين ذلك في قلوبكم } زينه الشيطان ذلك وسوّله لكم { وظننتم ظن السوء } فى هلاك النبي والمؤمنين ، وإن الله ينصر عليهم المشركين { وكنتم قوماً بوراً } والبور الفاسد وهو معنى الجمع وترك جمعه فى اللفظ لانه مصدر وصف به قال حسان : @ لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الا له سبيل المعشر @@ البور والبوار الهلاك وبارت السلعة إذا كسدت والبائر من الفاكهة مثل الفاسدة . وقال قتادة { بوراً } أي فاسدين . وقال مجاهد : هالكين . ثم قال تعالى مهدداً لهم { ومن لم يؤمن بالله ورسوله } أي لم يصدق بهما { فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً } أي ناراً تسعرهم وتحرقهم . ثم قال { ولله ملك السماوات والأرض } بأن يتصرف فيهما كما يشاء لا يعترض أحد عليه فيها { يغفر لمن يشاء } معاصيه { ويعذب من يشاء } إذا استحق العقاب بارتكاب القبائح { وكان الله غفوراً رحيماً } أي ساتراً على عباده معاصيهم إذا تابوا لا يفصحهم بها رحيماً باسقاط عقابهم الذي استحقوها بالتوبة على وجه الابتداء . ثم قال تعالى { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } يعني غنائم خيبر { ذرونا نتبعكم } أي اتركونا نجيء معكم ، فقال الله تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله قل } لهم يا محمد { لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } قال مجاهد وقتادة : يعني ما وعد به أهل الحديبية أن غنيمة خيبر لهم خاصة ، فارادوا تغيير ذلك بأن يشاركوهم فيها فمنعهم الله من ذلك . وقال ابن زيد : أراد بقوله { لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوّاً } وهذا غلط لأن هذه الآية نزلت فى الذين تأخروا عن تبوك بعد خيبر وبعد فتح مكة ، فقال الله تعالى لهم { لن تخرجوا معي أبداً } لان النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج بعد ذلك فى قتال ولا غزو إلى أن قبضه الله تعالى . ثم قال { كذلك قال الله من قبل } أي مثل ذلك حكم الله وقال ابن زيد : غنيمة خيبر لأهل الحديبية خاصة لا يشركهم فيها أحد . ثم حكى ما قالوه بأنهم { فسيقولون } عند ذلك ليس الأمر كذلك { بل تحسدوننا } فقال ليس الأمر على ما قالوه { بل كانوا لا يفقهون } الحق وما يدعون اليه { إلا قليلا } وقيل معناه لا يفقهون الحق إلا القليل منهم ، وهم المعاندون . وقال بعضهم لا يفقهون إلا فقها قليلا أو الاشياء قليلا . وإنما قالوا : تحسدوننا ، لان المسلمين لما توجهوا إلى خيبر وأخذوا غنائمها ، قال المخلفون { ذرونا نتبعكم } قالوا نعم على ان لا شيء لكم من الغنيمة ، فقالوا عند ذلك تحسدوننا ، فقال تعالى { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } .