Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 5-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه أحلّ للمؤمنين الطيبات ، وهي الحلال على ما بينا القول فيه في الآية الاولى ، دون ما حرم في الآية المتقدمة . وقيل : معنى الطيبات ما يستلذ ويستطاب . وظاهر الآية على هذا يقتضي تحليل كل مستطاب إلا ما قال دليل على تحريمه . وقوله : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } رفع بالابتداء { وحل لكم } خبره وذلك يختص عند اكثر اصحابنا بالحبوب ، لانها المباحة من أطعمة أهل الكتاب ، فاما ذبائحم وكل مائع يباشرونه بايديهم فانه نجس ولا يحل استعماله وتذكيتهم لا تصح لان من شرط صحتها التسمية لقوله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وهؤلاء لا يذكرون اسم الله . وإذا ذكروه قصدوا بذلك اسم من ابد شرع موسى أو عيسى أو اتخذ عيسى ابناً . وكذب محمداً ( صلى الله عليه وآله ) وذلك غير الله . وقد حرم الله ذلك بقوله : { وما أهل لغير الله به } على ما مضى القول فيه واكثر المفسرين على أن قوله : { وطعام الذين أوتوا الكتاب } المراد به ذبائحهم وبه قال قوم من اصحابنا : فممن ذهب اليه الطبري والبلخي والجبائي واكثر الفقهاء ، ثم اختلفوا ، فمنهم من قال : أراد بذلك ذباحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والانجيل ، أو ممن دخل في ملتهم ودان بدينهم ، وحرم ما حرموا ، وحلل ما حللوا . ذهب اليه ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن المسيب ، والشعبي وابن جريج ، وعطا والحكم وقتادة . واجازوا ذبائح نصارى بني تغلب وقال آخرون : إنما عنى به الذين أنزلت التوراة والانجيل عليهم ، ومن كان دخيلا فيهم من سائر الامم ، ودان بدينهم ، فلا تحل ذبائحهم . حكى ذلك الربيع عن الشافعي من الفقهاء . وروي تحريم ذبائح نصارى تغلب عن علي ( عليه السلام ) ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . وقال مجاهد ، وابراهيم وابن عباس وقتادة والسدي والضحاك ، وابن زيد وابو الدرداء إن اطعام الذين اوتوا الكتاب ذبائحهم وغيرها من الاطعمة . وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وغيرهم . وقوله : { وطعامكم حل لهم } فيه بيان إن طعامنا ايضاً حل لهم ، فان قيل فما معنى ذلك ، وهم لا يستحلون طعامنا بتحليلنا لهم ذلك ؟ قلنا عنه جوابان : احدهما - ان الله بين بذلك أنه حلال لهم ذلك سواء قبلوه ، أو لم يقبلوه . والثاني - أن يكون حلال للمسلمين بذله لهم ، ولو كان محرماً عليهم ، لما جاز لمسلم بذله اياه . وقوله : { والمحصنات من المؤمنات } معناه واحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات . وقيل هن الحرائر منهن ، ولا يدل ذلك على تحريم من ليس بعفيفة ، لان ذلك دليل خطاب يترك لدليل يقوم على خلافه ، ولا خلاف أنه لو عقد على من ليس بعفيفة ، ولا امة كان عقده صحيحا غير مفسوخ ، وان كان الاولى تجنبه . وكذلك لو عقد على أمة بشرط جواز العقد على الأمة على ما مضى القول فيه . واختلف المفسرون في المحصنات التي عناهن ها هنا فقال بعضهم عنى بذلك الحرائر خاصة : فاجرة كانت أوعفيفة وحرموا إماء اهل الكتاب بكل حال لقوله : { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } . ذهب اليه مجاهد وطارق بن شهاب ، وعامر الشعبي والحسن وقتادة . وقال اخرون : أراد بذلك العفائف من الفريقين : حرائر كن او إماء ، وأجازوا العقد على الامة الكتابية . روى ذلك أيضاً عن مجاهد ، وعامر الشعبي وسفين وابراهيم والحسن بن ابي الحسن وقتادة في رواية ، ثم اختلفوا في المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، فقال قوم : هو عام في العفائف منهن : حرة كانت أو أمة ، حربية كانت او ذمية . وهو قول من قال المراد بالمحصنات العفائف . وقال اخرون : أراد الحرائر منهن : حربيات كن أو ذميات . وعلى قول الشافعي المراد بذلك من كان من نساء بني اسرائيل دون من دخل فيهن من سائر الملل . وقال قوم : أراد بذلك الذميات منهن . ذهب اليه ابن عباس . واختار الطبري أن يكون المراد بذلك الحرائر من المسلمات والكتابيات . وعندنا لا يجوز العقد على الكتابية نكاح الدوام ، لقوله تعالى : { ولا تنكح المشركات حتى يؤمن ، } ولقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فاذا ثبت ذلك ، قلنا في قوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } تأويلان . احدهما - ان يكون المراد بذلك اللائي أسلمن منهن . والمراد بقوله : { والمحصنات من المؤمنات } من كن في الاصل مؤمنات . ولدن على الاسلام قيل : إن قوماً كانوا يتحرجون من العقد على الكافرة إذا اسلمت فبين الله بذلك انه لا حرج في ذلك ، فلذلك أفردهن بالذكر حكى ذلك البلخي . والثانى - أن يخص ذلك بنكاح المتعة أو ملك اليمين ، لانه يجوز عندنا وطؤهن بعقد المتعة ، وملك اليمين على أنه روى أبو الجارود عن أبي جعفر ( ع ) أن ذلك منسوخ بقوله : { ولا تنكح المشركات حتى يؤمن } روى عن ابي عبد الله ( ع ) انه قال : هو منسوخ بقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وقوله : { وإذا آتيتموهن أجورهن } يعني مهورهن . وهو عوض الاستمتاع بهن . وهو قول ابن عباس ، وجيمع المفسرين . وقوله : { محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان } نصب على الحال وتقديره أحل لكم المحصنات من الفريقين ، وانتم محصنون غير مسافحين ، ولا متخذي أخدان يعني اعفاء غير مسافحين بكل فاجرة ، وهو الزنا ، ولامتخذي اخدان يعني اعنا غير مسافحين ، ولا متخذي أخدان ، ولا متفردين ببغية واحدة ، خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجر بها . وقد بينا معنى الاحصان ووجوهه ، ومعنى السفاح والخدن في سورة النساء ، فلا وجه لاعادته وبذلك قال ابن عباس وقتادة والحسن . وقوله : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } يعني من يجحد ما أمر الله الاقرار به ، والتصديق به من توحيد الله ، ونبوة نبيه ، والاقرار بما جاء به فقد حبط عمله يعني الاعمال التي يعملها ، ويعتقدها قربات إلى الله ، فانها تنحبط ، ولايستحق عليها ثواباً ، بل يستحق عليها العقاب ، { وهو في الآخرة من الخاسرين } يعني الهالكين الذين غبنوا نفوسهم حظها من ثواب الله بكفرهم ، واستحقاقهم العقاب على جحدهم التوحيد ، والاسلام . وقال قوم : إن قوله : { ومن يكفر بالايمان } عنى به اهل الكتاب ، لان قوماً تحرجوا من نكاح نساء أهل الكتاب ، واكل طعامهم وما بين الله في هذه الآية . ذهب اليه قتادة وابن جريج ومجاهد وابن عباس . فان قيل ما معنى { ومن يكفر بالإيمان } قيل : الايمان هو الاقرار بتوحيد الله ، وصفاته ، وعدله ، والاقرار بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وما جاء به من عند الله . فمن جحد ذلك أو شيئاً منه كان كافراً بالايمان . وقد حبط عمله الذي يرجو به الفوز والنجاة . وهو في الاخرة من الخاسرين . وقال مجاهد : معناه من يكفر بالله . قال البلخي لا يعرف تأويل مجاهد في اللغة .