Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
موضع ( ما ) رفع ويحتمل أن يكون وحدها اسما وخبرها قوله : ( ذا ) واحل من صلة ذا . وتقديره أي شيء الذي احل لهم ؟ ويحتمل أن يكون ما وذا اسما واحداً ، ورفع بالابتداء وتقديره أي شيء احل لهم ؟ واحل لهم خبر الابتداء . فمعنى الآية يسألك يا محمد اصحابك ما الذي احل لهم اكله من المطاعم ، فقل لهم : احل لكم الطيبات منها وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح على قول الطبري والجبائي ، وغيرهما وقال البلخي : الطيبات هو ما يستلذ به . قال قوم : واحل لكم ايضاً مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من سباع الطير ، والبهائم ولا يجوز أن يستباح عندنا أكل شيء مما اصطاده الجوارح من السباع سوى الكلب إلا ما ادرك ذكاته . وسميت الطير جوارح ، لجرحها أربابها وكسبها اياهم أقواتهم من الصيد يقال منه : جرح فلان أهله خيراً إذا كسبهم خيراً . وفلان جارحة أهله يعني كاسبهم ، ولا جارحة لفلانة أي لا كاسب لها قال اعشى بني ثعلبة : @ ذات خد منضج ميسمها تذكر الجارح ما كان اجترح @@ يعني اكتسب . وقوله : { وما علمتم } تقديره وصيد ما علمتم من الجوارح وحذف لدلالة الكلام عليه ، لان القوم على ما روي كانوا سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه منها ، وصيده . فأنزل الله ( تعالى ) فيما سألوا عنه هذه الآية ، فاستثنى ( عليه السلام ) مما كان حرم اتخاذه منها ، وأمر بقتله كلاب الصيد ، وكلاب الماشية ، وكلاب الحرث وأذن في اتخاذ ذلك ذكرت ذلك سلمى ام رافع عن أبي رافع . قال جاء جبرائيل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يستأذن عليه ، فاذن له فقال : قد اذنا لك يا رسول الله فقال : اجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب . قال ابو رافع : فأمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها . وجئت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخبرته ، فأمرني فرجعت ، وقتلت الكلب ، فجاؤا فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الامة التي أمرت بقتلها ، فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانزل الله { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } وبه قال عكرمة ومحمد بن كعب القرطي واختلفوا في الجوارح التي ذكر الي الاية : بقوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } فقال قوم : هو كل ما علم فصيد فيتعلمه بهيمة كانت او طائراً . ذهب اليه الحسن ، ومجاهد وحثيمة بن عبد الرحمن . ورووه عن ابن عباس ، وطاووس وعلي بن الحسين وابي جعفر ( ع ) وقالوا : الفهد والبازي من الجوارح . وقال قوم : عنى بذلك الكلاب خاصة دون غيرها من السباع . ذهب اليه الضحاك والسدي وابن عمر وابن جريج . وهو الذي رواه أصحابنا عن ابي عبد الله ( عليهما السلام ) فاما ما عدا الكلاب ، فما ادرك ذكاته ، فهو مباح ، وإلا فلا يحل أكله . ويقوي قولنا قوله تعالى : { مكلبين } وذلك مشتق من الكلب ومن صاد بالباز والصقر لا يكون مكلباً . وقوله : { مكلبين } نصب على الحال وتقديره وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح مكلبين أي في هذة الحال . يقال : رجل مكلب وكلاب إذا كان صاحب صيد بالكلاب . وفي ذلك دليل على أن صيد الكلب الذي لم يعلم ، حرام إذا [ لم ] تدرك ذكاته . وقوله : { تعلمونهن مما علمكم الله } معناه تؤدبون الجوارح ، فتعلمونهن طلب الصيد لكم بما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم به . وقال بعضهم : معناه كما علمكم الله . ذهب اليه السدي . وهذا ضعيف لأن من المعنى الكاف لا يعرب في اللغة ، ولا بينهما تقارب ، لان الكاف للتشبيه ومن للتبعيض واختلفوا في صفة التعليم للكلب فقال بعضهم : هو ان يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه ، ويمسك عليه إذا أخذه ، فلا يأكل منه ويستجيب له إذا دعاه . فاذا توالي منه ذلك كان معلما . ذهب إليه ابن عباس وعط وابن عمرو الشعبي وطاووس وابراهيم والسدي . قال عطا : إذا أكل منه فهو ميتة . وقال ابن عباس : إذا اكل الكلب من الصيد ، فلا تأكل منه فانما امسك على نفسه . وهو الذي دلت عليه أخبارنا . غير أنهم اعتبروا ان يكون اكل الكلب للصيد دائماً . فاما إذا كان نادراً ، فلا بأس باكل ما أكل منه . وقال ابو يوسف ، ومحمد : حد التعليم أن يفعل ذلك ثلاث مرات . وقال قوم : لاحد لتعليم الكلاب ، فاذا فعل ما قلناه ، فهو معلم . وقد دل على ذلك رواية اصحابنا ، لانهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال ، فاصطاد به ، جاز أكل ما يقتله . وقد بينا أن صيد غير الكلب ، لا يحل أكله الا ما أدرك ذكاته . فلا يحتاج أن تراعي كيف تعلمه ، ولا اكله منه . ومن أجاز ذلك أجاز أكل ما اكل منه البازي والصقر . ذهب اليه عطا وابن عباس والشعبي وابراهيم ، وقالوا : تعلم البازي هو أن يرجع إلى صاحبه . وقال قوم : جوارح الطير والسباع سواء في ذلك ما أكل منه ، وما لا يؤكل . روي ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والشعبي وعكرمة ، وابن جريج . وقال قوم : تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد وهو أن يشلى على الصيد ، فيستشلى ، ويأخذ الصيد ، ويدعوه صاحبه ، فيجيب ، فاذا كان كذلك كان معلما اكل منه أو لم يأكل . روي ذلك عن سلمان رواه قتادة عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان ، قال : وان اكل ثلثه فكل . وبه قال سعد بن ابي وقاص . وقال لو لم يبق إلا جذية ، جاز أكلها وبه قال ابو هريرة ، وابن عمر . وقد بينا مذهبنا في ذلك وهو الذي رواه عدي بن حاتم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وقوله : { فكلوا مما امسكن عليكم } يقوي قول من قال : ما أكل منه الكب لا يجوز أكله ، لانه أمسك على نفسه . ومن شرط استباحة ما يقتله الكلب أن يكون صاحبه سمى عند إرساله ، فان لم يسم لم يجز له اكله إلا إذا ادرك ذكاته وحده أن يجده يتحرك : عينه أو أذنه أو ذنبه ، فيذكيه حينئذ بفري الحلقوم والاوداج ، واختلفوا في ( من ) [ من ] قوله : { مما أمسكن عليكم } فقال قوم : هي زائدة ، لان جميع ما يمسكه ، فهو مباح . وتقديره فكلوا ما امسكن عليكم . وجرى ذلك مجرى قوله : { يكفرعنكم من سيئاتكم } وقوله : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } وتقديره وينزل من السماء جبالا فيها برد . وقال بعضهم : وينزل من السماء من جبال فيها من برد أي من السماء من برد يجعل الجبال من برد في السماء ويجعل الانزال منها وانكر قوم ذلك وقالوا ( من ) للتبعيض ويقوي قولهم : قد كان من مطر وكان من حديث . يقول هل كان من مطر ، وهل كان من حديث عندكم ونكفرعنكم من سيئاتكم ما يشآؤه ويريده . وقوله : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } يجيز حذف ( من ) برد ولا يجيز حذفها من الجبال . ويقول : المعنى وينزل من السماء من امثال جبال برداً ، ثم أدخلت في من البرد مفسر عنده عن أمثال الجبال . وقد أقيمت الجبال مقام الامثال . والجبال هي جبال فلا يجيز حذف ( من ) من الجبال ، لانها دالة على أن في السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبال برد ، لا جبال برد . واجاز حذف ( من ) من برد ، لان البرد مفسر من الامثال ، كما يقال : عندي رطلان زيتاً ، ومن زيت . وليس عندك الرطلان وانما عندك المقدار ، فمن تدخل في المفسر وتخرج منه ، وكذلك عند هذا القائل من السماء من امثال جبال ، وليس بجبال . وقال : فان كان أنزل من جبال في السماء من برد جبالاً ، ثم حذف الجبال الثانية فالجبال الأولى في السماء جاز كما يقال : أكلت من الطعام يريد اكلت من الطعام طعاماً ، ثم يحذف الطعام ، ولا يحذف ( من ) . والاقوى أن تكون من في الآية للتبعيض ، لان ما يمسكه الكلب من الصيد ، لا يجوز أكل جميعه لان في جملته ما هو حرام من الدم ، والفرث والغدد ، وغير ذلك مما لا يجوز أكله ، فاذا قال : فكلوا مما امسكن عليكم ، أفاد ذلك بعض ما أمسكن ، وهو الذي أباح الله أكله من اللحم ، وغيره . وقوله : { ونكفر عنكم من سيئاتكم } قد بينا الوجه فيه وسنبين الوجه في قوله : { من السماء جبال فيها من برد } إذا انتهينا اليه ان شاء الله . وقوله : { واذكروا اسم الله عليه } صريح في وجوب التسمية عند الارسال . وهو قول ابن عباس والسدي وغيرهما . وقوله : { واتقوا الله } معناه واجتنبوا ما نهاكم عنه ، فلا تقربوه ، واحذروا معاصيه في ارتكاب ما نهاكم عنه في أن تأكلوا من صيد الكلب غير المعلم ، أو مما لم يمسكه عليكم ، أو تأكلوا مما لم يسمّ الله عليه من الصيد ، والذبائح مما صاده اهل الاوثان والاصنام { إن الله سريع الحساب } معناه التخويف بأنه سريع حسابه لمن حاسبه على نعمه ، لا يشغله حساب بعض عن بعض . ومتى غاب الكلب والصيد عن العين ، ثم رآه ميتاً لا يجوز أن يأكله ، لانه يجوز أن يكون مات من غير قتل الصيد . وفي الحديث : " كل ما أصميت ولا تأكل ما أنميت " فمعنى اصميت أن تصطاد بكلب أو غيره ، فمات وأنث تراه مات بصيدك . واصل الصميان السرعة والخفة : ومعناه ها هنا ما أسرع فيه الموت وأنت تراه . ومعنى ما أنميت ما غاب عنك فلا تدري مات بصيدك أو بعارض آخر يقال نمت الرمية : إذا مضت والسهم فيها . وأنميت الرمية : إذا رميتها ، فمضيت ، والسهم فيها قال امرؤ القيس : @ فهو لا تنمى رميته ما له لا عد من نفره @@ وقال الحارث بن وعلة الشيباني : @ قالت سليمى فد غنيت فتىً فالآن لا تصمى ولا تنمى @@ أي عشت ومتى اخذ الكلب الصيد ومات في يده من غير أن يجرحه ، لم يجز أكله . واجاز قوم ذلك . والاول أحوط . وكلّ من لا تؤكل ذبيحته من أجناس الكفار ، لا يؤكل صيده أيضاً . فأما الاصطياد بكلابه المتعلمه فجائز إذا صاده المسلم .