Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 60-60)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قراء حمزة { وعبد الطاغوت } بضم الباء وخفض التاء يريد خدم الطاغوت في قول الاعمش ، ويحيى بن رئاب . الباقون بفتح الباء والدال ونصب التاء قال أبو علي : حجة حمزة أنه حمل على ما عمل فيه { جعل } كأنه قال وجعل منهم من عبد الطاغوت . ومعنى { جعل } خلق ، كما قال { وجعل منها زوجها } وقال { وجعل الظلمات والنور } قال : وليس { عبد } لفظ جمع لانه ليس في أبنية الجمع شئ على هذا البناء لكنه واحد في موضع جمع كما قال { وإِن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } وجاء على ( فعل ) لأن هذا البناء يراد به الكثرة نحو يقط وندس و { عبد } في الاصل صفة ، وان كان استعمل استعمال الاسماء ، ولا يزيل ذلك عنه كونه صفة كما لم يزل في الأبرق والأبطح حيث كسر تكسير الاسماء لم يزل عنهما معنى الصفة بدلالة أنهم تركوا صرفهما كما تركوا صرف ( أحمر ) ولم يجعلوه كأوكل وابدع . وأما من فتح فانه عطفه على مثال الماضي الذي في الصلة ، وهو قوله { لعنه الله وغضب عليه } وأفرد الضمير في { عبد } وان كان المعنى فيه كثرة لأن الكلام محمول على لفظ ( من ) دون معناه ، ولو حمل الكلام أو البعض على المعنى لكان صواباً قال الفراء : وقرأ أبي وعبد الله { وعبد الطاغوت } على الجمع ، والمعنى والذين عبد الطاغوت - بضم العين والباء - مثل ثمار وثمر ، وعبيد وعبد ، على أنه جمع جمع ، ويكون المعنى وجعل منهم عبد الطاغوت كما تقول : جعلت زيداً أخاك أي نسبته اليك ويجوز على هذا رفع الدال على تقدير ، وهم عبد الطاغوت لكن لم يقرأ به أحد . قال : ولو قرأ قارئ وعبد الطاغوت كان صواباً يريد به عبدة الطاغوت ويحذف الهاء للاضافة كما قال الشاعر : @ قام ولاها فسقوه صر خدا @@ يريد ولاتها وحكي في الشواذ و { عبد الطاغوت } على ما لم يمسي فاعله ، ذكره الرماني . قال الطبري هي قراءة أبي جعفر المدني . وحكى البلخي { عابد الطاغوت ، وعبد الطاغوت } مثل شاهد وشهد . وحكى ايضا { عباد الطاغوت } مثل كافر وكفار ، ولا يقرأ بشيء من ذلك . وقال الطبري عن يريدة الاسلمي انه قرأ { عابد الطاغوت } فهذه ثمانية أوجه ، لكن لا يقرأ إِلا بقرائتين أو ثلاثة ، لان القراءة متبوعة يؤخذ بالمجموع عليه ، قال الفراء { عبد } على ما قرأ حمزة إِن كانت لغة فهو مثل حذر وحذر ، وعجل وعجل فهو وجه والا فانه أراد قول الشاعر : @ أبنى لبيني إِن أمكم أمة وإِن أباءكم عبد @@ فحرك وهذا في ضرورة الشعر لا في القراءة وأنشد الاخفش : @ أنسب العبد الى آبائه اسود الجلدة من قوم عبد @@ أمر الله تعالى في هذه الآية نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخاطب الكفار ويقول لهم { هل أنبئكم } أي هل اخبركم { بشر من ذلك } أي من الذي طعنتم عليه من المسلمين ، ومما رغبتم عنه ونقمتم عليه ، وانما قال { بشر من ذلك } وان لم يكن من المؤمن شرَّ وكذلك قوله { أولئك شر مكانا } على الانصاف في الخطاب والمظاهرة في الحجاج لأن الكفار يعتقدون ان هؤلاء أشرار ، وأن ما فيهم شر فخرج على ما يعتقدونه . وقوله : { مثوبة } معناها الثواب الذي هو الجزاء ووزنها مفولة مثل مقولة ومجوزة ومضوفة على معنى المصدر وقال الشاعر : @ وكنت اذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري @@ وقال ابو عبيدة هي ( مفعلة ) مثل مكرهة ومعقلة ومشغلة . وموضع ( من ) يحتمل ثلاثة أوجه من الاعراب : أحدها - الجر والتقدير بشر من ذلك لمن لعنه الله والرفع على من لعنه الله ، والنصب على أنبئكم من لعنه الله . وقيل في معنى { الطاغوت } قولان : أحدهما قال الحسن : هو الشيطان ، لانهم أطاعوه طاعة المعبود . والثاني كل ما دعا الى عبادته من دون الله من الفراعنة ، فشبه به ما عبد من الاصنام ونحوها . قال ابو علي : وهو ها هنا العجل الذي عبدته اليهود ، لأن الكلام كله في صفتهم . وقوله { أولئك شر مكاناً } يعني هؤلاء الذين وصفهم بأنهم لعنهم وغضب عليهم ، وانهم عبدة الطاغوت شر مكانا يعني في عاجل الدنيا وآجل الآخرة . وهو نصب على التمييز وقوله { وأضل عن سواء السبيل } يعني أجوز عن الطريق المستقيم . وظن بعضهم ان قوله { وجعل منهم القردة جعلهم كذلك والخنازير وعبد الطاغوت } يفيد أنه جعلهم يعبدون الطاغوت - يتعالى الله عن ذلك - لأنه لو كان جعلهم كذلك لما كان عليهم لوم ، وانما المعنى ما قلناه : من أنه اخبر عمن هو شر ممن عابوه ، وهم الذين لعنهم وغضب عليهم ، ومن جعل منهم القردة والخنازير ، ومن عبد الطاغوت ، لأنه تعالى هو الخالق لهم ، وان كان لم يخلق عبادتهم للطاغوت . وقال ابو علي : هو معطوف على قوله { من لعنه الله وغضب عليه } ومن { عبد الطاغوت } ومن جعل منهم القردة والخنازير وليس بمعطوف على قوله { وجعل منهم القردة والخنازير } فعلى هذا سقطت الشبهة .