Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-64)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر الله تعالى في هذه الآية عن اليهود انها قالت : إِن { يد الله مغلولة } وقيل في معني { مغلولة } قولان : أحدهما قال ابن عباس وقتادة ، والضحاك : إِن المراد بذلك أنها مقبوضة من العطاء على وجه الصفة له بالبخل كما قال تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وانما قالوا ذلك لما نزل قوله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } قالوا : إِن رب محمد فقير يستقرض منا فأنزل الله هذه الآية . الثاني قال الحسن معناه انها مقبوضة عن عذابنا . وقال البلخي يجوز ان يكون اليهود ، قالوا قولا واعتقدوا مذهباً معناه يؤدي الى ان الله يبخل في حال ويجود في حال أخرى ، فحكى الله تعالى ذلك على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم . ويجوز أن يكون ذلك على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم . ويجوز ان يكونوا قالوا ذلك على وجه الهزء حيث لم يوسِّع على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى أصحابه . وليس ينبغي أن يتعجب من قوم يقولون لموسى : { إِجعل لنا إِلهاً كما لهم آلهة } ومن اتخذ العجل إِلهاً ، ومن زعم أن ربه أبيض الرأس واللحية جالس على كرسي ، كيف يقولون إِن الله يبخل مرة ويجود اخرى . وقال الحسين بن علي المغربي حدثني بعض اليهود الثقات منهم بمصر ان طائفة قديمة من اليهود قالت ذلك بهذا اللفظ . وأما اليد فانها تستعمل على خمسة أوجه : أحدها - الجارحة . والثاني - النعمة . الثالث - القوة . الرابع - الملك . الخامس - تحقيق إِضافة الفعل ، قال الله تعالى { أولي الأيدي والأبصار } معناه القوى ويقال لفلان على فلان يد أي نعمة وله علي يد أشكرها أي نعمة . وقال الشاعر : @ له في ذوي الحاجات أيد كأنها مواقع ماء المزن في البلد القفر @@ ومثل ذلك يقولون له عليه صنع حسنة . وقوله { الذي بيده عقدة النكاح } معناه من يملك ذلك وقوله { لما خلقت بيدي } أي توليت خلقه . وقوله { غلت أيدهم } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال الزجاج وغيره معناه الزموا البخل على مطابقة الكلام الأول فهم أبخل الناس . الثاني - قال الحسن وأبو علي { غلت أيديهم } في جهنم . وقوله { ولعنوا بما قالوا } أي أبعدوا من رحمة الله وثوابه . وقوله { بل يداه مبسوطتان } تكذيب منه تعالى لما قالوا وإِخبار أن يديه مبسوطتان أي نعمه مبسوطة . وقيل في وجه تثنية اليد ثلاثة أقوال : أحدها - أنه أراد نعمة الدنيا ونعمة الدين أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة . الثاني - قال الحسن معناه قوتاه بالثواب والعقاب والغفران والعذاب بخلاف قول اليهود إِن يده مقبوضة عن عذابنا . الثالث - أن التثنية للمبالغة في صفة النعمة مثل قولهم : لبيك وسعديك ، وكما يقول القائل : بسط يديه يعطي يمنة ويسرة ولا يريدون الجارحة وإِنما يريدون كثرة العطية وقال الاعشى : @ يداك يدا مجد فكف مفيدة وكف إِذا ما ضن بالزاد تنفق @@ وقوله تعالى { ينفق كيف يشاء } معناه يعطي من شاء من عباده ويمنع من شاء منهم ، لأنه متفضل بذلك ويفعل حسب ما تقتضيه المصلحة . وقوله { وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } أي وسيزدادون عند ذلك طغياناً وكفراً لأن القرآن لا يفعل شيئاً من ذلك ، كما يقول القائل : وعظتك فكانت موعظتي وبالاً عليك . وما زادتك إِلا شراً أي انك ازددت عندها شراً . وذلك مشهور في الاستعمال . والطغيان هنا هو الغلو في الكفر . وقوله { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } قيل فيه قولان : أحدهما - إِن المراد بذلك بين اليهود والنصارى على ما قلناه في قوله { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } هذا قول الحسن ومجاهد . وقد جرى ذكرهم في قوله { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } الثاني - ان الكناية راجعة على اليهود خاصة . والمراد ما وقع بينهم من الخلاف بين الاشمعينية والعنانية وغيرهم من طوائف اليهود ذكره الرماني . وبماذا القي بينهم العداوة والبغضاء ؟ قيل فيه قولان : أحدهما - قال أبو علي بتعريف اليهود قبح مذهب النصارى في عبادة المسيح وبتعريف النصارى قبح مذهب اليهود في الكفر بالمسيح . الثاني - قال الرماني بوضع البغضاء عقاباً على الاختلاف بالباطل . وقوله { إلى يوم القيامة } فيه دلالة على أنهم لا يجتمعون على مذهب واحد الى يوم القيامة . ولا بد أن يكون ذلك مختصاً بمن يعلم الله من حالهم انهم لا يؤمنون . وقوله { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال الحسن ومجاهد : لحرب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفي ذلك دلالة ومعجزة ، لأن الله أخبر عن الغيب وكان كما أخبر ، لأن اليهود كانت أشد أهل الحجاز بأساً وأمنعهم داراً حتى أن قريشاً كانت تعتضد بهم والأوس والخزرج تستبق الى محالفتهم والتكثر بنصرتهم ، فأباد الله حضراءهم واقتلع أصلهم فأجلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بني قينقاع وبني النضير ، وقتل بني قريظة وشرد أهل خيبر وغلب على فدك ودان له أهل وادي القرى . فمحي الله آثارهم صاغرين وحقق بخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) . وهذه كلمة مستعملة في اللغة في التشاغل بالحرب والاستعداد لها . قال عوف ابن عطية : @ إذا ما اجتنينا جنا منهل شببنا لحرب بعلياء نارا @@ الثاني - قال قتادة : هو عام . والمعنى إِن الله أذلهم بذاك لا يغزون أبداً وإِنما يطفئ الله بلطفه نار حربهم وما يوقي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) من نقض ما يبرمون . وما يطلعه عليه من أسرارهم ويمن به عليه من النصر والتأييد ، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود { يسعون في الأرض فساداً } يعني بمعصية الله وتكذيب رسله ومخالفة أمره ونهيه ، واجتهادهم في دفع الاسلام ومحو ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كتبهم ، وذلك هو سعيهم بالفساد ، ثم قال { والله لا يحب المفسدين } بعني لا يحب من كان عاملاً بمعاصيه في أرضه .