Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 71-71)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { ألا تكون } بالرفع . الباقون بالنصب . ولم يختلفوا في رفع { فتنة } فمن رفع ، فالمعنى حسبوا فعلهم غير فاتن لهم ، لأنهم كانوا يقولون { نحن أبناء الله وأحباؤه } ومن نصبه فلأن " أن " تنصب الفعل المضارع . وقال أبو علي الفارسي الافعال على ثلاثة أضرب : فعل يدل على ثبات الشئ واستقراره نحو العلم ، وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات ، وفعل يحتمل الأمرين ، فما كان معناه العلم وقع بعده ( أن ) الثقيلة ، ولم تقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل ، لأن الثقيلة معناها إِثبات الشئ واستقراره والعلم بأنه كذلك أيضاً ، فاذا أوقع عليه واستعمل معه كان وقعه ملائماً له . ولو استعملت الناصبة للفعل بعد ما معناه العلم واستقرار الشئ له لتباينا وتدافعا ، فمن استعمال الثقيلة بعد العلم وايقاعه عليها قوله : { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } و { ألم يعلم بأن الله يرى } ، لأن الباء زائدة . وكذلك التبين والتيقن ، وما كان معناه العلم كقوله { ثم بدا لهم من بعد ما رءوا الآيات } فهذا ضرب من العلم لأنه تبين لأمر قد بان فلذلك كان قسما كما كان علمت قسما في نحو قوله : @ ولقد علمت لتأتين منيتي @@ وكذلك { ثم بدا لهم من بعد مارءوا الآيات ليسجننه حتى حين } فهو بمنزلة علموا ليسجننه وعلى ذلك قول الشاعر : @ بدا لي أني لست مدرك ما مضى ( ولا سابقاً شيئاً اذا كان جائيا ) @@ فأوقع بعدها الشديدة كما يوقعها بعد علمت واما ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر فنحو ( أطمع ) و ( أخاف ) و ( اشفق ) و ( أرجو ) فهذا ونحوه لا يستعمل بعده إِلا الخفيفة الناصبة للفعل كقوله تعالى : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } وقوله { تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم } وقوله : { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله } وقوله : { فخشينا أن يرهقهما } وقوله { أأشفقتم أن تقدموا } وكذلك أرجو ، وعسى ، ولعل فأما ما يستعمل في الامرين نحو حسبت وظننت وزعمت فهذا النحو يجعل مرة بمنزلة ( أرجو ) و ( أطمع ) من حيث كان أمراً غير مستقر ومرة يجعل بمنزلة العلم من حيث استعمل استعماله . ومن حيث كان خلافه . والشئ قد يجري مجرى الخلاف نحو ( عطشان ) و ( ريان ) فاما استعمالهم استعمال العلم ، فلأنهم قد أجابوه بجواب القسم . حكى سيبويه ظننت ليسقيني . وقيل في قوله { وظنوا ما لهم من محيص } ان النفي جواب الظن كما كان جواباً لعلمت في قوله { علمت ما أنزل هؤلاء إِلا رب السماوات } وكلا الوجهين جاء به القرآن مثل قراءة من نصب قوله { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم } { ألم أحسب الناس أن يتركوا } ومثل قراءة من رفع قوله { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم } { أيحسبون إِنما نمدهم به من مال وبنين } { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه } فهذه مخففة من الشديدة . ومثل ذلك في الظن قوله : { تظن أن يفعل بها فاقرة } وقوله { إِن ظنا أن يقيما حدود الله } ومن الرفع قوله : { وأَنا ظننا أن لن تقول الانس والجن … وأَنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً } وإِن ها هنا الخفيفة من الثقيلة لأن الناصبة للفعل لا تقع بعدها ( أن ) لاجتماع الحرفين في الدلالة على الاستقبال كما لم تجتمع الناصبة مع السين ، ولم يجتمعا كما لم يجتمع الحرفان بمعنى واحد . ولذلك كانت ( ان ) في قوله { علم أن سيكون } المخففة من الشديدة . ومن ذلك قوله { وظنوا أنهم أحيط بهم } فاما قوله : { الذين يظنون إنهم ملاقوا ربهم } وقوله : { ظننت أني ملاق حسابيه } فالظن ها هنا بمعنى العلم ، وحسن وقوع الخفيفة من الشديدة في قول من رفع وإن كان بعده فعل لدخول ( لا ) وكونها عوضاً من حذف الضمير معه وايلاء ما لم يكن يليه . ولو قلت علمت أن يقول لم يجز حتى يأتي بما يكون عوضاً نحو ( قد ) و ( لا ) والسين وسوف ، كما قال { علم أن سيكون } ولا يدخل على ذلك قوله : { وأَن ليس للإنسان إلا ما سعى } فلم يدخل بين ( أن ) و ( ليس ) شئ لأن ( ليس ) ليس بفعل على الحقيقة . وأما ( فتنة ) فلو نصب لكان صحيحاً في العربية على تقدير : أن لا يكون قولهم فتنة . ولكن لم يقرأ به أحد . قال الرماني : وحد الحسبان هو قوة أحد النقيضين . في النفس على الآخر وأصله الحساب ، فالنقيض القوي يحتسب به دون الآخر أي هو فيما يحتسب ولا يطرح ومنه الحسب لانه مما يحسب ولا يطرح لأجل الشرف ومنه قولهم : حسبك أي يكفيك ، لأنه بحساب الكفاية ومنه احتساب الأجر ، لأنه فيما يحتسب ويكفي . والفتنة ها هنا العقوبة . وقيل البلية - في قول السدي وقتادة والحسن ومجاهد - وقيل : الشدة . وكل ذلك متقارب . وقال ابن عباس : الفتنة - ها هنا - الشرك . وأصل الفتنة الاختبار ، ومنه افتتن بفلانة اذا هواها ، لأنه يظهر ما يطوي من خبره بها . وفتنت الذهب في النار اذا خلصته ليظهر خبره في نفسه متميزاً من شائب غيره . وقوله { يوم هم على النار يفتنون } أي يحرقون . فاذا هم خبث كلهم { وفتناك فتوناً } أي اختبرناك اختباراً أي ليظهر خبرك على خلوص أمرك في طاعتك أو غير ذلك من حالك . وقوله { فعموا وصموا } معناه عن الحق على وجه التشبيه بالأعمى والاصم لانه لا يهدي الى طريق الرشد في الدين كما لا يهتدي هذا الى طريق الرشد في الدنيا لأجل العمى والصمم ، فكذلك اولئك لاعراضهم عن النظر . وقوله { ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا } إِخبار منه تعالى أن هؤلاء الكفار حسبوا أن لا يكون فتنة على ما فسرناها { فعموا وصموا } وقتلوا الأنبياء وكذبوهم ثم أن فريقاً منهم تابوا فتاب الله عليهم { ثم عموا وصموا } يعني عادوا الى ما كانوا عليه . وقيل قوله { ثم عموا وصموا } في الاقرار بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله : { كثير منهم } قال الزجاج يحتمل رفعه ثلاثة أوجه : أحدها - ان يكون بدلاً من الفاء ، فكأنه لما قال { عموا وصموا } ابدل الكثير منهم أي عمي وصم كثير منهم كما يقول جاءني قومك أكثرهم . والثاني - أن يكون جمع الفعل متقدماً على لغة من قال اكلوني البراغيث ، وذهبوا قومك . قال أبو عمرو الهذلي : @ ولكن ديا في ابوه وامه بحوران يعصرن السليط اقاربه @@ الثالث ان يكون ( كثيراً ) خبر ابتداء محذوف والتقدير ذو العمى والصمم { كثير منهم } ثم بين تعالى { إِنه بصير } أي عالم { بما يعملون } أي بأعمالهم .