Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مقسماً إنه خلق الانسان أي اخترعه وانشأه مقدراً . والخلق الفعل الواقع على تقدير وترتيب . والمعنى إنه يوجده على ما تقتضيه الحكمة من غير زيادة ولا نقصان . وأخبر انه يعلم ما يوسوس به صدر الانسان . فالوسوسة حديث النفس بالشيء فى خفى ، ومنه قوله { فوسوس إليه الشيطان } ومنه الواسوس كثرة حديث النفس بالشيء من غير تحصيل قال رؤبة : @ وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق @@ ثم اخبر تعالى انه اقرب إلى الانسان من حبل الوريد . قال ابن عباس ومجاهد : الوريد عرق فى الحلق وهما وريدان في العنق : من عن يمين وشمال ، وكأنه العرق الذي يرد اليه ما ينصب من الرأس ، فسبحان الله الخلاق العليم الذي احسن الخلق والتدبير ، وجعل حبل الوريد العاتق ، وهو يتصل من الحلق إلى العاتق هذا العرق الممتد للانسان من ناحيتي حلقه إلى عاتقه ، وهو الموضع الذي يقع الرداء عليه لأنه يطلق الرداء من موضعه . قال رؤبة : @ كان وريديه رشا خلب @@ أي ليف . وقال الحسن : الوريد الوتين : وهو عرق معلق به القلب ، فالله تعالى أقرب إلى المرء من قلبه . وقيل : المعنى ونحن أقرب اليه ممن كان بمنزلة حبل الوريد في القرب فى أني أعلم به . وقيل : معناه اقرب اليه بما يدركه من حبل الوريد لو كان مدركاً . وقيل : ونحن أملك به من حبل الوريد فى الاستيلاء عليه ، وذلك أن حبل الوريد فى حيز غير حيزه . والله تعالى مدرك له بنفسه ومالك له بنفسه . وقوله { إذ يتلقى المتلقيان } { إذ } متعلقة بقوله { ونحن أقرب إليه } حين يتلقى المتلقيان ، يعني الملكين الموكلين بالانسان { عن اليمين وعن الشمال قعيد } أي عن يمينه وعن شماله . وإنما وحد { قعيد } لاحد وجهين : احدهما - إنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، كما قال الشاعر : @ نحن بما عندنا وانت بما عندك راض والرأى مختلف @@ أي نحن بما عندنا راضون ، فتقدير الآية عن اليمين قعيد ، وعن الشماء قعيد الثاني - إنه يكون القعيد على لفظ الواحد ، ويصلح للاثنين والجمع كالرسول لانه من صفات المبالغة ، وفيه معنى المصدر ، كأنه قيل : ذو المراقبة . وقال مجاهد : القعيد الرصيد . وقيل : عن اليمين ملك يكتب الحسنات ، وعن الشمال ملك يكتب السيئات - فى قول الحسن ومجاهد - وقال الحسن : حتى إذا مات طويت صحيفة عمله وقيل له يوم القيامة { إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } فقد عدل - والله - عليه من جعله حسيب نفسه . وقال الحسن : الحفظة أربعة : ملكان بالنهار وملكان بالليل . وقوله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } أي لا يتكلم بشيء من القول إلا وعنده حافظ يحفظ عليه ، فالرقيب الحافظ والعتيد المعد للزوم الأمر . وقوله { وجاءت سكرة الموت بالحق } قيل فى معناه قولان : احدهما - جاءت السكرة بالحق من أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه واضطر اليه والآخر - وجاءت سكرة الموت بالحق الذي هو الموت . وروي ان أبا بكر وابن مسعود كانا يقرآن { وجاءت سكرة الحق بالموت } وهي قراءة اهل البيت عليهم السلام و ( سكرة الموت ) غمرة الموت التي تأخذه عند نزع روحه فيصير بمنزلة السكران . وقوله { ذلك ما كنت منه تحيد } أي يقال له عند ذلك هذا الذى كنت منه تهرب وتروغ . وقوله { ونفخ في الصور } قيل فيه وجهان : احدهما - إنه جمع صورة ينفخ الله في الصور بأن يحييها يوم القيامة . الثاني - ان الصور قرن ينفخ اسرافيل فيه النفخة الأولى فيموت الخلق ، والنفخة الثانية فيحيون يوم القيامة ، وهو يوم الوعيد الذي وعد الله أن يعاقب فيه من يكفر به ويعصى أمره ، ويثيب من يؤمن به ويمتثل .