Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-14)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وابن عباس ( رحمة الله عليه ) ومجاهد ان { الذاريات } الرياح يقال : ذرت الريح التراب تذروه ذرواً ، وهي ذارية إذا طيرته وأذرت تذري إذراء بمعنى واحد وسأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب على المنبر ما { الذاريات ذرواً } قال : الرياح ، قال ما { الحاملات وقراً } فقال السحاب . فقال ما { الجاريات يسراً } قال السفن . والمعنى إنها تجري سهلا ، فقال ما { المقسمات أمراً } قال الملائكة . وهو قول ابن عباس ومجاهد والحسن ، وهذا قسم من الله تعالى بهذه الأشياء . وقال قوم : التقدير القسم برب هذه الاشياء لأنه لا يجوز القسم إلا بالله . وقد روي عن أبي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام أنه لا يجوز القسم إلا بالله . والله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه . وقيل : الوجه فى القسم بالذاريات تعظيم ما فيها من العبرة فى هبوبها تارة وسكونها اخرى ، وذلك يقتضي مسكناً لها ومحركاً لا يشبه الاجسام ، وفي مجيئها وقت الحاجة لتنشئة السحاب وتذرية الطعام ما يقتضي مصرفاً لها قادراً عليها ، وما في عصوفها تارة ولينها أخرى ما يقتضي قاهراً لها ولكل شيء سواها . والوجه في القسم بالحاملات وقراً ، ما فيه من الآيات الدلالة على محمل حملها الماء وأمسكه من غير عماد واغاث بمطره العباد واحيي البلاد وصرفه في وقت الغنى عنه بما لو دام لصاروا إلى الهلاك ، ولو انقطع اصلا ، لاضربهم جميعاً . والوجه في القسم بالجاريات يسراً ما فيها من الدلائل وبتسخير البحر الملح والعذب بجريانها وتقدير الريح لها بما لو زاد لغرق ولو ركد لأهلك ، وبما فى هداية النفوس إلى تدبير مصالحها وما في عظم النفع بها في ما ينقل من بلد إلى بلد بها . والوجه في القسم بالملائكة ما فيها من اللطف وعظم الفائدة وجلالة المنزلة بتقسيم الأمور بأمر الله تعالى من دفع الآفة عن ذا واسلام ذاك ومن كتب حسنات ذا وسيئات ذاك ، ومن قبض روح ذا وتأخير ذاك . ومن الدعاء للمؤمنين ولعن الكافرين ، ومن استدعائهم إلى طريق الهدى وطلب ما هو أولى بصد داعي الشيطان والهوى عدو الانسان . وقوله { إن ما توعدون لصادق } جواب القسم . ومعناه إن الذي وعدتم به من الثواب والعقاب والجنة والنار وعد صدق لا بد من كونه { وإن الدين لواقع } معناه إن الجزاء لكائن يوم القيامة ، وهذا يفيد ان من استحق عقاباً ، فانه يجازى به ويدخل في ذلك كل مستحق للعقاب ، كأنه قال : إن جميع الجزاء واقع بأهله يوم القيامة في الآخرة . ثم استأنف قسماً آخر فقال { والسماء ذات الحبك } فالحبك الطرائق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء . وترى في الماء الصافي إذا مرت عليه الريح ، وهو تكسر جار فيه . ويقال للشعر الجعد حبك والواحد حبيك وحبيكة ، والحبك أثر الصنعة في الشيء واستوائه ، حبكه يحبكه ويحبكه حبكاً { والسماء ذات الحبك } أي ذات حسن الطرائق ، وحبك الماء طرائقه قال زهير : @ مكلل باصول النجم تنسجه ريح خريق لصافي مائه حبك @@ وتحبكت المرأة بنطاقها إذا شدته في وسطها ، وذلك زينة لها ، وحبك السيف إذا قطع اللحم دون العظم وقال الحسن وسعيد بن جبير : ذات الحبك ذات الزينة بالنجوم والصنعة وللطرائق الحسنة . وقيل : الحبك النسج الحسن ، يقال : ثوب محبوك . وقوله { إنكم لفي قول مختلف } معناه إنكم في الحق لفي قول مختلف ، لا يصح إلا واحد منه ، وهو أمر النبي صلى الله عليه وآله وما دعا اليه ، وهو تكذيب فريق به وتصديق فريق . ودليل الحق ظاهر ، وفائدته أن احد الفريقين في هذا الاختلاف مبطل ، لانه اختلاف تناقض فاطلبوا الحق منه بدليله وإلا هلكتم . وقوله { يؤفك عنه من أفك } معناه يصرف عنه من صرف ، ومنه قوله { أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا } أي لتصرفنا ، وتصدنا . وإنما قيل { يؤفك } عن الحق لأنه يمكن فيه ذلك من غيره ، ولا يمكن من نفسه ، لان الحق يدعو إلى نفسه ولا يصرف عنها إلى خلافه . وقوله { قتل الخراصون } معناه لعن الكذابون ، ومثله { قتل الإنسان ما أكفره } والخراص الكذاب . وأصله الخرص وهو القطع من قولهم : خرص فلان كلامه واخترصه إذا افتراه ، لانه اقتطعه من غير أصل . والخرص جريد يشقق ويتخذ منه الحصر قال الشاعر : @ ترى قصد المران فيهم كأنه تذرع خرصان بأيدي شواطب @@ والخرص حلقة القرط المنقطعة عن ملاصقة الاذن ، والخريص الخليج من من البحر ، والخرص الخرز من العدد والكيل ، ومنه خارص النخل ، وهو خارزه وجمعه خراص . وقوله { الذين هم في غمرة ساهون } صفة للخراصين وموضعه رفع وتقديره في غمرة ساهون عن الحق كقوله { طبع الله على قلوبهم } والغمرة المرة من علو الشيء على ما هو فائض فيه ، غمره الماء يغمره غمراً وغمرة ، فهو غامر له ، والانسان مغمور ، ويقال : غمره الشغل وغمره الموت وغمره الحياء وغمره الجهل وأصل الغمرة من الغمر وهو السيد الكثير العطاء ، لانه يغمر بعطائه ، والغمر الفرس الكثير الجري ، لانه يغمر بحريه ، والغمر الذي لم يجرب الأمور والغمر الحقد والغمرة رائحة الزهومة في اليد ، وغمار الناس مجتمعهم ، وغمرة المرأة ما تطلى به من الطيب وغيره مما يحسن اللون . والغمر القدح الصغير ، والغمر النبت الصغار ، لانه تغمره الكبار والمعنى ان هؤلاء الكفار لجهلهم بما يجب عليهم معرفته ساهون عما يلزمهم العلم به أي غافلون عن الحق متعامون عنه { يسألون أيان يوم الدين } يعني يسأل هؤلاء الكفار الذين وصفهم بالجهل والغمرة : متى يوم الجزاء ؟ ! على وجه الانكار لذلك لا على وجه الاستفادة لمعرفته ، فاجيبوا بما يسوءهم من الحق الذي لا محالة انه نازل بهم فقيل { يوم هم على النار يفتنون } أي يحرقون بالنار ويعذبون فيها وأصل الفتنة تخليص الذهب باحراق الغش الذى فيه ، فهؤلاء يفتنون بالاحراق كما يفتن الذهب . ومنه قوله { وفتناك فتوناً } أى أخلصناك للحق ، ورجل مفتون بالمرءة أى مخلص بحبها ، وهي صفة ذم ، { وفتناهم } أى اختبرناهم بما يطلب به خلاصهم للحق . وقيل : يفتنون أى يحرقون ، كما يفتن الذهب في النار - في قول مجاهد والضحاك - وقوله { يوم هم } يصلح أن يكون في موضع رفع ، لانك أضفته إلى شيئين ، ويصلح فيه النصب على الظرف والبناء ، وكله على جواب { أيان } وقوله { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } معناه انه يقال للكفار الذين يعذبون بها هذا الذي كنتم به تستعجلون فى دار التكليف إستبعاداً له ، فقد حصلتم الآن فيه وعرفتم صحته .