Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 15-23)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم { لحَق مثل } بالرفع على أنه صفة للحق الباقون بالنصب ، ويحتمل نصبه وجهين : أحدهما - قول الجرمي أن يكون نصباً على الحال ، كأنه قيل : حق مشبهاً لنطقكم في الثبوت . الثاني - قال المازني إن ( مثل ) مبني ، لانه مبهم أضيف إلى مبني ، كما قال الشاعر : @ لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات او قال @@ وقال : فجعل ( مثل ) مع ( ما ) كالأمر الواحد ، كما قال { لا ريب فيه } وقولهم : خمسة عشر ، فيكون على هذا ( ما ) زائدة وأضاف ( مثل ) إلى { إنكم تنطقون } فبناه على الفتح حين أضافه إلى المبني ، ولو كان مضافاً إلى معرب لم يجز البناء نحو : مثل زيد . وقيل : يجوز أن يكون نصباً على المصدر ، وكأنه قال إنه لحق حقاً كنطقكم . لما حكى الله تعالى حكم الكفار وما أعده لهم انواع العذاب ، أخبر بما أعده للمؤمنين المطيعين الذين يتقون معاصي الله خوفاً من عقابه ، ويفعلون ما أوجبه عليهم فقال { إن المتقين في جنات وعيون } أي فى بساتين تجنها الاشجار { وعيون } ماء تجري لهم في جنة الخلد ، فهؤلاء ينعمون وأولئك يعذبون { آخذين ما آتاهم ربهم } من كرامته وثوابه بمعنى آخذين ما أعطاهم الله من ذلك ونصب { آخذين } على الحال { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } يفعلون الطاعات وينعمون على غيرهم بضروب الاحسان ، ثم وصفهم فقال { كانوا } يعني المتقين الذين وعدهم بالجنات { قليلا من الليل ما يهجعون } فى دار التكليف أي كان هجوعهم قليلا - في قول الزهري وإبراهيم - وقال الحسن : ( ما ) صلة وتقديره كانوا قليلا يهجعون ، وقال قتادة : لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها ، كأنه قيل هجوعهم قليلا فى جنب يقظتهم للصلاة والعبادة . وقال الضحاك : تقديره كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا ، ثم ابتدأ فقال { من الليل ما يهجعون } وتكون ( ما ) بمعنى النفي والمعنى إنهم كانوا يحيوون الليل بالقيام فى الصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك . ولا يجوز ان تكون ( ما ) جحدا لانه لا يقدم عليها معمولها . والهجوع النوم - في قول قتادة وابن عباس وإبراهيم والضحاك { وبالأسحار هم يستغفرون } أي يطلبون من الله المغفرة والستر لذنوبهم فى قول الحسن وابن زيد - وقال مجاهد : معناه يصلون فى السحر . وقوله { وفي أموالهم حق } وهو ما يلزمهم لزوم الديون من الزكوات وغير ذلك أو ما التزموه من مكارم الاخلاق ، فهو الذي رغب الله فيه بقوله { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } فالسائل هو الذي يسأل الناس ، والمحروم هو المحارف - في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك - وقال قتادة والزهري : المحروم هو المتعفف الذي لا يسأل . وقال إبراهيم : المحروم الذي لا سهم له فى الغنيمة . وقيل : المحروم الممنوع الرزق بترك السؤال أو إذهاب مال او سقوط سهم او خراب ضيعة إذا صار فقيراً من هذه الجهة . وقال الشعبي : اعياني أن أعلم ما المحروم . وفرق قوم بين الفقير والمحروم بأنه قد يحرمه الناس بترك الاعطاء ، وقد يحرم نفسه بترك السؤال ، فاذا سأل لا يكون ممن حرم نفسه بترك السؤال ، وإنما حرمه الغير ، وإذا لم يسأل فقد حرم نفسه وحرمه الناس . وقوله { وفي الأرض آيات } أي دلالات واضحات وحجج نيرات { للموقنين } الذين يتحققون بتوحيد الله ، وإنما أضافها إلى الموقنين ، لانهم الذين نظروا فيها وحصل لهم العلم بموجبها وآيات الأرض جبالها ونباتها ومعادنها وبحارها ، ووقوفها بلا عمد لتصرف الخلق عليها . وقوله { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } معناه وفى أنفسكم أفلا تتفكرون بأن تروها مصرّفة من حال إلى حال ومنتقلة من صفة إلى أخرى ، فكنتم نطفاً فصرتم أحياء ثم كنتم أطفالا فصرتم شباباً ، ثم صرتم كهولا وكنتم ضعفاء فصرتم أقوياء ، فهلا دلكم ذلك على ان لها صانعاً صنعها ومدبراً دبرها يصرفها على ما تقتضيه الحكمة ويدبرها بحسب ما توجبه المصلحة . وقيل : المعنى أفلا تبصرون بقلوبكم نظر من كأنه يرى الحق بعينه . وقوله { وفي السماء رزقكم } ينزله الله اليكم بأن يرسل عليكم الغيث والمطر فيخرج به من الأرض أنواع ما تقتاتونه وتلبسونه وتنتفعون به { وما توعدون } به من العذاب ينزله الله عليكم إذا استحققتموه ، وقال الضحاك : وفى السماء رزقكم يعني المطر الذي هو سبب كل خير وهو من الرزق الذي قسمه الله وكتبه للعبد فى السماء . وقال مجاهد : وما توعدون يعني من خير او شر ، وقيل وما توعدون الجنة ، لانها في السماء الرابعة . ثم قال تعالى { فورب السماء والأرض } قسما منه تعالى { إنه لحق } ومعناه إن ما وعدتكم به من الثواب والعقاب والجنة والنار لا بد من كونه { مثل ما تنطقون } أي مثل نطقكم الذي تنطقون به فكما لا تشكون في ما تنطقون ، فكذلك لا تشكوا في حصول ما وعدتكم به . وقيل الفرق بين قوله { حق مثل ما إنكم تنطقون } وبين ما تنطقون مثل الفرق بين أحق منطقك وبين أحق إنك تنطق أي أحق إنك ممن ينطق ، ولم يثبت له نطقاً . والأول قد أثبته إلا أنه قال : أحق هو أم باطل ، ذكره الفراء . ومعنى الآية أن هذا القرآن وأمر محمد صلى الله عليه وآله وما توعدون به من أرزاقكم حق ككلامكم ، كقول القائل : إنه لحق مثل ما أنت ها هنا أي كما أنت ها هنا . وقال الفراء : وإنما جمع بين ( ما ) و ( إن ) مع انه يكتفى باحدهما ، كما يجمع بين اللائي والذين ، وأحدهما يجزي عن الآخر قال الشاعر : @ من النفر اللائي والذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا @@ فجمع بين اللائي والذين ، ولو أفرده بـ ( ما ) لكان المنطق في نفسه حقاً ، ولم يرد ذلك ، وإنما أراد أنه لحق كما حق أن الآدمي ناطق ، ألا ترى ان قولك أحق منطقك معناه أحق هو أم كذب ، وقولك أحق إنك تنطق معناه إن للانسان النطق لا لغيره ، فادخلت ( أن ) ليفرق بين المعنيين . قال وهذا أعجب الوجهين إليّ