Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 56-60)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا اخبار من الله تعالى أنه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته ، فاذا عبدوه أستحقوا الثواب ، واللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لحصول العلم بأن كثيراً من الخلق لا يعبدون الله . وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبره القائلين : بأن الله خلق كثيراً من خلقه للكفر به والضلال عن دينه وخلقهم ليعاقبهم بالنيران ، لأنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى تناقض ، ولا إختلاف وقوله { ولقد ذرأنا لجهنم } قد بينا في ما مضى أن اللام لام العاقبة . والمعنى إنه خلق الخلق كلهم لعبادته وتصير عاقبة كثير منهم إلى جهنم بسوء اختيارهم من الكفر بالله وإرتكاب معاصيه . فان قيل : أليس قد خلق الله كثيراً من خلقه لطفاً لغيرهم ، فكيف يكون خلقهم لعبادته ؟ ! . قلنا : ما خلقه الله تعالى على ضربين : مكلف ، وغير مكلف ، فما ليس بمكلف خلقه للطف المكلفين ، جماداً كان او حيواناً . وما هو مكلف خلقه لعبادته وإن كان فى خلقه أيضاً لطف للغير ، وكأنه يكون خلقه للأمرين ويكون بمنزلة ما خلقته إلا ليعبد مع عبادة غيره لأن عبادة غيره مما هو غرض فى خلقه ، ولولا ذلك لم يكن في خلق النبي عليه لطف لغيره ، فالتقدير ما خلقته إلا لعبادته مع عبادة غيره به ، وهو بمنزلة قول القائل ما أدبت ولدي إلا ليصلح جميعهم أي بتأديبي له مع تأديب غيره الذي يدعوه إلى خلافه ، وليس المعنى ما خلقت كل مكلف إلا ليعبد هو فقط . وفى الآية دلالة على انه تعالى لا يريد المباح ، لانه ليس من العبادة . وقوله { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } معناه نفي الايهام عن خلقهم لعبادته ان يكون ذلك لفائدة تقع وتعود عليه تعالى ، فبين انه لفائدة النفع العائد على الخلق دونه تعالى لاستحالة النفع عليه ودفع المضار ، لانه غني بنفسه لا يحتاج إلى غيره ، وكل الناس محتاجون اليه . ومن زعم ان التأويل ما اريد ان يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم ، فقد ترك الظاهر من غير ضرورة . وقال ابن عباس : معنى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الا ليتقربوا لي بالعبودية طوعاً وكرهاً . ثم بين تعالى انه - جل وعز - هو الرزاق لعباده فقال { إن الله هو الرزاق } والخلق لا يرزقونه { ذو القوة } صاحب القدرة { المتين } ومعناه انه القوي الذي يستحيل عليه العجز والضعف ، لانه ليس بقادر بقدرة ، بل هو قادر لنفسه ، ولانه ليس بجسم ، والجسم هو الذي يحلقه ضعف . ومن خفض { المتين } - وهو يحيى ابن وثاب - جعله صفة للقوة ، وذكره لانه ذهب إلى الحبل والشيء المفتون يريد القوة ، قال الشاعر : @ لكل دهر قد لبست أثوبا من ريطة واليمنية المعصبا @@ فذكر لان اليمنية ضرب من الثياب وصنف منها ، ومن فسر ( المتين ) بالشديد فقد غلط ، لأن الشديد هو الملتف بما يصعب معه تفكيكه . ووصف القوة بأنها أشد يؤذن بالمجاز ، وانه بمعنى أعظم . ثم اخبر تعالى بأن { للذين ظلموا } نفوسهم بارتكاب المعاصي { ذنوباً } أي نصيباً وأصله الدّلو الممتلىء ماء ، كما قال الراجز : @ لنا ذنوب ولكم ذنوب فان ابيتم فلنا القليب @@ وقال علقمة : @ وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لشاش من نداك ذنوب @@ أي نصيب ، وإنما قيل الدّلو : ذنوب ، لانها فى طرف الحبل ، كأنها في الذنب . وقيل : معناه لهم بلاء وويل . والذنوب الدلو العظيمة يؤنث ويذكر ، وقوله { مثل ذنوب أصحابهم } أي مثل نصيب اصحابهم من الكفار الذين تقدموهم { فلا تستعجلون } قل لهم لا تستعجلون بانزال العذاب عليهم ، فانهم لا يفوتون . ثم قال { فويل للذين كفروا } وحدانيتي وجحدوا نبوة رسولي { من يومهم الذي يوعدون } فيه بانزال العذاب بالعصاة وهو يوم القيامة ، والويل كلمه تقولها العرب لكل من وقع فى مهلكة .