Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 46-55)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي { وقوم نوح } جرا عطفا على قوله { وفي عاد } وتقديره وفي قوم نوح آية . الباقون بالنصب على تقدير وأهلكنا قوم نوح ، ويحتمل ان يكون على تقدير فأخذت صاعقه العذاب قوم نوح ، إذ العرب تسمى كل عذاب مهلك صاقعة . الثالث على تقدير : واذكر قوم نوح ، كقوله { وإبراهيم الذي وفى } والقوم الجماعة الذين من شأنهم أن يقوموا بالأمر ، واضافتهم اليه تقتضي انه منهم فى النسب . ولم يفرد لـ ( قوم ) واحد . ثم بين لما أهلكهم فقال { إنهم كانوا قوماً فاسقين } خارجين من طاعة الله - عز وجل - إلى الكفر بالله فاستحقوا لذلك الاهلاك . وقوله { والسماء بنيناها بأيد } معناه بقوة - فى قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد - والايدي القوة ، ووجه اتصال قوله { والسماء بنيناها بأيد } بما قبله وهو ان فى قوم نوح آية وفي السماء ايضاً آية فهو متصل به فى المعنى . وقوله { وإنا لموسعون } قيل فى معناه ثلاثة أقوال : احدها - قال الحسن : التوسعة فى الرزق بالمطر . الثاني - قال ابن زيد : بقوة وإنا لموسعون السماء . الثالث - انا لقادرون على الاتساع باكثر من اتساع السماء . والاتساع الاكثار من إذهاب الشيء فى الجهات بما يمكن أن يكون اكثر مما فى غيره يقال أوسع يوسع ايساعاً ، فهو موسع . والله تعالى قد اوسع السماء بما لا بناء اوسع منه وايساع الرحمة هو الاكثار منها بما يعم . وقوله { والأرض فرشناها } عطف على قوله { والسماء بنيناها } وتقديره وبنينا السماء بنيناها وفرشنا الارض فرشناها أي بسطناها { فنعم الماهدون } والماهد الموطىء للشيء المهيء لما يصلح الاستقرار عليه ، مهد يمهد مهداً ، فهو ماهد ، ومهد تمهيداً ، مثل وطأ توطئة . وقوله { ومن كل شيء خلقنا زوجين } معناه خلقنا من كل شيء اثنين مثل الليل والنهار ، والشمس والقمر والارض والسماء ، والجن والانس - فى قول الحسن ومجاهد - وقال ابن زيد { خلقنا زوجين } الذكر والانثى . وفى ذلك تذكير بالعبرة فى تصريف الخلق والنعمة في المنفعة والمصلحة { لعلكم تذكرون } معناه لتتذكروا وتفكروا فيه وتعتبروا به . وقوله { ففروا إلى الله } أي فاهربوا إلى الله من عقابه إلى رحمته باخلاص العبادة له . وقيل : معناه ففروا إلى الله بترك جميع ما يشغلكم عن طاعته ويقطعكم عما أمركم به { إني لكم منه نذير } مخوف من عقابه { مبين } عما اوجب عليكم من طاعته . ثم نهاهم فقال { ولا تجعلوا مع الله الها آخر } أي لا تعبدوا معه معبوداً آخر من الأصنام والاوثان { إني لكم منه نذير مبين } أي من الله مخوف من عقابه مظهر ما اوجب عليكم وأمركم به . وقيل : الوجه في تكرار { إني لكم منه نذير مبين } هو ان الثاني منعقد بغير ما انعقد به الاول اذ تقديره اني لكم منه نذير مبين في الامتناع من جعل اله آخر معه ، وتقدير الاول اني لكم منه نذير مبين في ترك الفرار اليه بطاعته فهو كقولك : انذرك أن تكفر بالله انذرك ان تتعرض لسخط الله ، ويجوز أن يقول الله ولا تجعلوا مع الله قديماً آخر ، كما قال { ولا تجعلوا مع الله إلهاً } لان جعلهم ذلك باعتقادهم الهاً معه او اظهارهم انه مذهب لهم . ولا يجوز ان يقول : لا تكونوا قدماء مع الله لانه نهي عما لا يمكن ، وهو محال ، وكذلك لا يجوز ان يقول لا تصيروا قدماء ولا آلهة ، لانه محال . والنذير هو المخبر بما يحذر منه ويصرف عنه وهو يقتضي المبالغة . والمنذر صفة جارية على الفعل تقول : انذر ينذر انذاراً ، فهو منذر ، ونذره أي علم به واستعد له والمبين الذي يأتي ببيان الحق من الباطل . ثم قال مثل ما أتى هؤلاء الكفار نبي فكذبوه { كذلك ما أتى الذين من قبلهم } من الامم { رسول إلا قالوا } هو { ساحر أو مجنون } فالساحر هو الذي يحتال بالحيل اللطيفة . والمجنون الذي به جنون . وإنما قال الجهال ذلك فى الرسل لان الاقدام عندهم على إنكار عبادة الاوثان لا يكفي فيه الشبهة دون الجنة ، فالمجنون المغطى على عقله بمالا يتوجه للادراك به ، فكذلك شبه حال قريش فى التكذيب بحال . الامم حتى قالوا : سحر او مجنون . وإنما جاز منهم الاتفاق على تكذيب الرسل من غير تواص ولا تلاق ، لان الشبهة الداعية اليه واحدة . وقوله { أتواصوا } فالتواصي هو إيصاء بعض القوم إلى بعض بوصية ، والوصية التقدمة فى الأمر بالاشياء المهمة مع النهي عن المخالفة ، كالوصية بقضاء الدين ورد الوديعة والحج والصدقة وغير ذلك ، فكأن هؤلاء الجهال قد تواصوا بعبادة الأوثان بما هم عليه من الملازمة وشدة المحافظة وصورة الكلام صورة الاستفهام والمراد به الانكار والتوبيخ . وقوله { بل هم قوم طاغون } معناه لم يتواصوا بذلك لكنهم طاغون طغوا فى معصية الله وخرجوا عن الحد . ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { فتول عنهم } أي اعرض عنهم يا محمد - فى قول مجاهد - { فما أنت بملوم } فى كفرهم وجحودهم بل اللائمة والذم عليهم من حيث لا يقبلون ما تدعوهم اليه ، وليس المراد أعرض عن تذكيرهم ووعظهم ، وإنما أراد أعرض عن مكافأتهم ومقابلتهم ومباراتهم وما أنت فى ذلك بملوم { وذكر } بالموعظة { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } الذين يتعظون بمواعظ الله ويستدلون بآياته . قال حسين بن صمصم .