Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-10)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { والنجم } قسم من الله تعالى . وقد بينا أن الله تعالى له أن يقسم بما يشاء من خلقه ، وليس للعباد أن يحلفوا إلا به . وقال قوم : معناه ورب النجم فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه ، وفى معنى { النجم } ها هنا ثلاثة أقوال : احدها - قال مجاهد : المراد به الثريا إذا سقطت مع الفجر . الثاني - في رواية أخرى عن مجاهد أن المراد به القرآن إذا نزل . الثالث - قال الحسن : معناه جماعة النجوم . { إذا هوى } أي إذا سقط يوم القيامة كقوله - عز وجل - { وإذا الكواكب انتثرت } وقيل : النجم على طريق الجنس ، كما قال الراعى : @ وباتت تعد النجم فى مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها @@ ( مستحيرة ) شحمة مذابة صافية فى إهالة ، لانها من شحم سمين . وقوله { إذا هوى } قيل : معناه إذا هوى للمغيب ودل على ما فيه من العبرة بتصريف من يملك طلوعه وغروبه ، ولا يملك ذلك إلا الله تعالى . وقيل : كان القرآن ينزل نجوماً ، وبين أول نزوله وأخره عشرون سنة - ذكره الفراء وغيره - والنجم هو الخارج عن الشيء بخروج المنتشيء عنه . والهوى ميل الطباع إلى ما فيه الاستمتاع ، وهو مقصور وجمعه أهواء ، والهواء الذي هو الجو ممدود وجمعه أهوية . وقوله { ما ضل صاحبكم } يعني النبي صلى الله عليه وآله ما ضل عن الحق { وما غوى } أي وما خاب عن إصابة الرشد ، يقال : غوى يغوي غياً إذا خاب ، وقال الشاعر : @ فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما @@ أي من يخب { وما ينطق عن الهوى } أي ليس ينطق عن الهوى أي بالهوى ، يقال : رميت بالقوس وعن القوس . والمعنى إنه لا يتكلم فى القرآن وما يؤديه اليكم عن الهوى الذي هو ميل الطبع { إن هو إلا وحي يوحى } معناه ليس الذي يتلوه عليكم من القرآن إلا وحي أوحاه الله اليه ، فالوحي القاء المعنى إلى النفس فى خفى إلا أنه صار كالعلم في ما يلقيه الملك إلا النبي صلى الله عليه وآله من البشر عن الله تعالى ، ومنه قوله { فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعيشاً } وقوله { وأوحى ربك إلى النحل } أي ألهمها مراشدها ، وهو راجع إلى ما قلناه من إلقاء المعنى إلى النفس فى خفى . وقوله { علمه شديد القوى } فى نفسه وعلمه . والقوة هي القدرة . وقد تستعمل القوة بمعنى الشدة التي هي صلابة العقد كقوى الحبل . وقوله { ذو مرة } صفة لجبرائيل عليه السلام أي صاحب مرة ، وهي القوة . واصل المرة شدة الفتل ، وهو ظاهر فى الحبل الذي يستمر به الفتل حتى ينتهي إلى ما يصعب به الحل . ثم تجري المرة على القدرة ، لانه يتمكن بها من الفعل ، كما يتمكن من الفعل بالآلة ، فالمرة والقوة والشدة نظائر . وقوله { فاستوى } معناه استولى بعظم القوة ، فكأنه استوت له الامور بالقوة على التدبير . ومنه قوله { استوى على العرش } أي استولى عليه بالسلطان والقهر . وقال ابن عباس وقتادة : معنى { ذو مرة } ذو صحة بخلق حسن . وقال مجاهد وسفيان وابن زيد والربيع : ذو قوة ، وهو جبرائيل . والمرة واحدة المرر ، ومنه قوله عليه السلام " لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سوي " وقيل { فاستوى } جبرائيل ومحمد عليهما السلام { بالأفق الأعلى } أي سماء الدنيا عند المعراج . وقيل فى " هو " قولان : احدهما - انه مبتدأ وخبره فى موضع الحال ، وتقديره ذو مرة فاستوى فى حال كونه بالافق الاعلى . الثاني - إنه معطوف على الضمير فى ( استوى ) وحسن ذلك كي لا يتكرر ( هو ) وانشد الفراء : @ ألم تر ان النبع تصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف @@ وقال الزجاج : لا يجوز عطف ( هو ) على الضمير من غير تأكيد إلا فى الشعر وقال تعالى { أئذا كنا تراباً وآباؤنا } فرد الآباء على المضمر . وقال الربيع : واستوى يعني جبرائيل عليه السلام ( وهو ) كناية عنه على هذا . وفي الوجه الأول ( هو ) كناية عن النبي صلى الله عليه وآله . وقال قتادة : الافق الأعلى الذي يأتي منه النهار . وقيل : هو مطلع الشمس { شديد القوى } فى أمر الله { ذو مرة } أي ذو قوة في جسمه . وقيل : فاستوى جبرائيل على صورته التي خلقه الله ، لان جبرائيل كان يظهر قبل ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فى صورة رجل . وقوله { ثم دنا فتدلى } قال الحسن وقتادة والربيع : يعني جبرائيل عليه السلام وفيه تقديم وتأخير والتقدير ثم تدلى فدنا . وقال الزجاج : معنى دنا وتدلى واحد ، لأن المعنى إنه قرب وتدلى زاد فى القرب ، كما يقال : دنا فلان وقرب . والمعنى ثم دنا جبرائيل إلى محمد صلى الله عليه وآله ، فتدلى اليه من السماء { فكان قاب قوسين أو أدنى } معناه كان بينه وبين جبرائيل مقدار قاب قوسين من القسى العربية أو أقرب بل أقرب منه . وقيل : معنى ( او ) في الآية معنى ( الواو ) كقوله { وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون } ومعناه ويزيدون . وقيل : إنه رأى جبرائيل عليه السلام في صورته له ستمائة جناح - فى قول ابن مسعود - ومعنى { قاب قوسين } قدر الوتر من القوس مرتين { أو أدنى } منه وأقرب . وقوله { فأوحى إلى عبده ما أوحى } قيل اوحى جبرائيل إلى عبد الله محمد ما أوحى . وقيل أوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى . ويحتمل ان تكون ( ما ) مع ما بعدها بمنزلة المصدر والتقدير فأوحى إلى عبده وحياً . ويحتمل ان يكون بمعنى الذي وتقديره فأوحى إلى عبده الذي أوحى اليه . والمعنى أوحى جبرائيل إلى محمد ما أوحى اليه ربه - وهو قول ابن زيد - وقوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } قال ابن عباس رأى ربه بقلبه وهو معنى قوله { علمه } وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها . وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة : رآى محمد جبرائيل على صورته . وقال الحسن : يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته . وقال الحسن : عرج بروح محمد صلى الله عليه وآله إلى السماء وجسده فى الأرض . وقال اكثر المفسرين - وهو الظاهر من مذهب اصحابنا والمشهور في اخبارهم - أن الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى - ملكوت السموات وما ذكره الله - بعيني رأسه ، ولم يكن ذلك فى المنام بل كان فى اليقظة . وقد بيناه فى سورة بني إسرائيل .