Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 11-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً ويعقوب { أفتمرونه } بمعنى افتجحدونه ، وهو قول إبراهيم . وقرأ الباقون { أفتمارونه } بمعنى افتجادلونه فى انه رأى ربه بقلبه أو آيات الله ومعجزاته . وقرأ ابن عامر - في رواية هشام - وأبي جعفر { ما كذب } مشددة الدال الباقون بالتخفيف . وقرأ ابن كثير والأعشى إلا ابن غالب { ومنآة } مهموزة ممدودة . الباقون { ومناة } مقصورة ، وهما لغتان . يقول الله تعالى إنه لم يكذب فواد محمد ما رآه بعينه يعني لم يكذب محمد بذلك بل صدق به والفؤاد القلب . وقال ابن عباس : يعني ما رأى بقلبه . وقال الحسن : إنه رأى ربه بقلبه . وهذا يرجع إلى معنى العلم . ومعنى { ما كذب الفؤاد } أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه ، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً . ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعدّاه . ومن خفف فلأن في العرب من يعدي هذه اللفظة مخففة ، فيقولون صدقني زيد وكذبني خفيفاً ، وصدقني وكذبني ثقيلا وانشد : @ وكذبتني وصدقتني والمرؤ ينفعه كذابه @@ والفرق بين الرؤية في اليقظة وبين الرؤية في المنام أن رؤية الشيء في اليقظة إدراكه بالبصر على الحقيقة ، ورؤيته في المنام لصورة في القلب على توهم الادراك بحاسة البصر من غير ان يكون كذلك . وقوله { أفتمارونه } فمن قرأ { أفتمرونه } أراد أفتجحدونه . ومن قرأ { أفتمارونه } أراد أفتجادلونه وتخاصمونه مأخوذ من المراء وهو المجادلة { على ما يرى } يعني على الشيء الذي يراه . وقوله { ولقد رآه نزلة أخرى } قال عبد الله بن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع : رآى محمد صلى الله عليه وآله جبرائيل عليه السلام دفعة أخرى . وروي أنه رآه فى صورته التي خلقه الله عليها مرتين . وقوله { عند سدرة المنتهى } قيل : هي شجرة النبق وقيل لها : سدرة المنتهي فى السماء السادسة ، إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء - في قول ابن مسعود والضحاك - وقيل : لانه ينتهي اليها أرواح الشهداء . وقوله { عندها جنة المأوى } معناه عند سدرة المنتهى جنة المقام وهي جنة الخلد ، وهي في السماء السابعة . وقيل : إنه يجتمع اليها أرواح الشهداء . وقال الحسن : جنة المأوى هي التي يصير اليها أهل الجنة . وقوله { إذ يغشى السدرة ما يغشى } معناه يغشى السدرة من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار ما ليس لوصفه منتهى . وقال ابن مسعود ومجاهد - وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه غشى السدرة فراش الذهب . وقال الربيع : غشيها من النور نور الملائكة . وقوله { ما يغشى } أبلغ لفظ فى هذا المعنى والغشيان لباس الشيء مما يعمه ، يقال غشيه يغشاه غشياناً . وقوله { ما زاغ البصر } اي ما ذهب عن الحق المطلوب ، والزيغ الذهاب عن الحق المطلوب ، يقال : زاغ بصره وقلبه يزيغ زيغاً ، ومنه قوله { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } ومنه قوله { فأَما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } والزيغ الميل عن الحق { وما طغى } معناه ما طغى البصر أي ما ذهب يميناً وشمالا . وقيل : ما ارتفع كارتفاع الظالم عن الحق لمن يريده ، والطاغي الذي لا يلوي على شيء . والطغيان طلب الارتفاع بظلم العباد : طغى يطغي طغياناً . والطاغي والباغي نظائر . وهم الطغاة والبغاة ، والمعنى ما زاغ بصر محمد وما طغى أي ما جاوز القصد ولا عدل فى رؤية جبرائيل ، وقد ملأ الأفق . وقوله { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } قسم من الله تعالى ان النبي صلى الله عليه وآله رأى من آيات الله ودلائله أكبرها جنة الخلد وهي فى السماء السابعة وقيل : إنه يجتمع فيها أرواح الشهداء وهي الكبرى التي تصغر عندها الآيات فى معنى صفتها . والاكبر هو الذي يصغر مقدار غيره عنده فى معنى صفته . وقيل رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الأفق - فى قول ابن مسعود - . وقوله { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } اسماء أصنام كانت العرب تعبدها ، والعزى كانت تعبدها غطفان ، وهي شجرة سمرة عظيمة ، واللات صنم كانت ثقيف تعبدها ، ومنات كانت صخرة عظيمة لهذيل وخزاعة كانوا يعبدونها فقيل لهم : أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها وتعبدون معها الملائكة وتزعمون ان الملائكة بنات الله ، فوبخهم الله تعالى فقال { أفرأيتم } هذه { اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } والمعنى أخبرونا عن هذه الآلهة التي تدعونها من دون الله هل لها من هذه الآيات والصفات شيء .