Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 36-46)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما وبخ الله تعالى الذي أعطى قليلا واكدى ، وبين أنه ليس عنده علم الغيب فيصدق من قال إنه يتحمل خطاياه ، بين ان الذى وعده بذلك { أم لم ينبأ } أى لم يخبر بما في صحف الانبياء ولم يعلم ذلك فـ ( أم ) بمعنى ( بل ) وتقديره بل لم ينبأ بما في صحف موسى والصحف جمع صحيفة والمراد - هٰهنا - مكتوب الحكمة ، لانها كتب الله . وقوله { وإبراهيم } أى ولا فى صحف ابراهيم { الذي وفى } أى وفى بما يجب عليه الله - عز وجل - واستحق أن يمدح بهذا المدح . وقال مجاهد { وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى } وقيل فى رسالة ربه في هذا أو في غيره - ذكره سعيد بن جبير وقتادة وابن زيد - وهو أليق بالعموم . وقوله { الذي وفى } قيل : استحق المدح بذبح ولده وإلقائه فى النار وتكذيبه فى الدعاء إلى الله فوفى ما عليه فى جميع ذلك . وقوله { ألا تزر وازرة وزر أخرى } أي بين الله تعالى فى صحف ابراهيم وموسى أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، ومعناه أنه لا يؤاخذ احد بذنب غيره ، يقال : وزر يزر إذا كسب وزراً ، وهو الاثم ، فهو وازر . وقوله { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } معناه ليس له من الجزاء إلا جزاء ما عمل دون ما عمله غيره ، ومتى دعا إلى الايمان من أجاب اليه فهو محمود عليه على طريق التبع كأنه من أجل عمله صار له الحمد على هذا ، ولو لم يعمل شيئاً ما استحق شيئاً لا ثواباً ولا عقاباً . وقوله { وأن سعيه سوف يرى } معناه إن ما يفعله الانسان ويسعى فيه لا بد أن يرى فى ما بعد بمعنى أنه يجازى عليه من ثواب او عقاب ، وبين ذلك بقوله { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } أي يجازى على اعماله الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب الدائم ، والهاء في ( يجزاه ) عائدة على السعي . وقوله { وأن إلى ربك المنتهى } معناه وأن إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمور ، والمنتهى هو المصير إلى وقت بعد الحال الأولى عن حال مثلها ، فللتكليف منتهى ، وليس للجزاء في دار الآخرة منتهى . والمنتهى قطع العمل إلى حال أخرى والمنتهى والآخر واحد . وقوله { وأنه هو أضحك وأبكى } قيل اضحك بأن فعل سبب ذلك من السرور والحزن ، كما يقال أضحكني فلان وأبكاني اذا كان سبب ذلك بما يقع عنده ضحكي وبكائي ، فعلى هذا الضحك والبكاء من فعل الانسان . وقد قال الله تعالى { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً } ولو لم يكن من فعلنا لما حسن ذلك . وقال تعالى { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون } وقال { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } فنسب الضحك اليهم . وقال الحسن : الله تعالى هو الخالق للضحك والبكاء ، والضحك تفتح اسرار الوجه عن سرور وعجب في القلب ، فاذا هجم على الانسان منه ما لا يمكنه دفعه فهو من فعل الله الذي أضحك وابكى . والبكاء جريان الدموع على الخد عن غم في القلب ، وإنما يبكى الانسان عن فرح يمازجه تذكر حزن ، فكأنه عن رقة في القلب يغلب عليها الغم . وقوله { وأنه هو أمات وأحيا } معناه انه تعالى الذي يخلق الموت فيميت به الأحياء لا يقدر على الموت غيره ، لانه لو قدر على الموت غيره لقدر على الحياة ، لأن القادر على الشيء قادر على ضده ، ولا احد يقدر على الحياة إلا الله . وقوله { وأحيا } أي هو الذي يقدر على الحياة التي يحيي بها الحيوان لا يقدر عليها غيره من جميع المحدثات . ثم بين ايضاً { أنه } الذي { خلق الزوجين الذكر } منهما { والأنثى من نطفة } أي خلق الذكر والانثى من النطفة ، وهي ماء الرجل والمرأة التي يخلق منها الولد { إذا تمنى } يعني إذا خرج المني منهما وجعل في الرحم خلق الله تعالى منها الولد إما ذكراً واما انثى ، ومعنى تمنى أي تلقى على تقدير في رحم الانثى ، واصله التقدير يقولون : منى يمني فهو مان إذا قدر قال الشاعر : @ حتى تقلاقي ما يمنى لك الماني @@ أى يقدر ومنه التمني تقدير المعنى للاستمتاع به .