Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 31-35)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { كبير الإثم } على لفظ الواحد . الباقون بلفظ الجمع { كبائر } وقد بيناه في سورة { حم عسق } . هذا اخبار من الله بأن له ملك { ما في السماوات } وملك { وما في الأرض } من جميع الاجناس بالحق { ليجزى الذين اساؤا } أي يعاقبهم { بما عملوا } من المعاصي { ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } أى يثيبهم على طاعاتهم بنعيم الجنة والخلود فيها . ثم وصف الذين احسنوا فقال هم { الذين يجتنبون كبائر الإثم } أى عظائم الذنوب { والفواحش } . والمعاصي - عندنا - كلها كبائر غير ان بعضها اكبر من بعض ، فقد تكون المعصية كبيرة بالاضافة إلى ما دونها ، وقد تكون صغيرة بالاضافة إلى ما هو اكبر منها . والفواحش جمع فاحشة وهي أقبح الذنوب وأفحشها ، والاساءة مضرة يستحق بها الذم ، ولا يستحق الذم إلا مسيء ، وذم من ليس بمسيء قبيح ، كذم المحسن بالقبيح ، والاحسان فعل ما هو نفع فى نفسه أو هو سبب للنفع ليستحق به الحمد ، ولا يستحق الحمد إلا محسن . والكبير من الذنوب هو الذي يعظم به الزجر إلى حد لا يكفره إلا التوبة منه - عند من لم يحسن إسقاط العقاب تفضلا - والصغير هو الذي يخف فيه الزجر إلى حد يصح تكفيره من غير توبة - عند من قال بالصغائر - وقوله { إلا اللمم } قال قوم : هو الهم بالمعصية من جهة مقاربتها في حديث النفس بها من غير مواقعتها ولا عزم عليها ، لان العزم على الكبير كبيرة . ولكن يقرب من مكانها لشهوته لها غير عازم عليها . وقال قوم { إلا اللمم } استثناء منقطع ، لأنه ليس من الكبائر ولا الفواحش ، كما قال الشاعر : @ وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس @@ واليعفور من الظباء الأحمر والاعيس الابيض . وقيل { اللمم } مقاربة الشيء من غير دخول فيه ، يقال : ألمّ بالشيء يلم إلماماً إذا قاربه . وقيل { اللمم } الصغير من الذنوب ، كما قال { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم } ذهب اليه ابن عباس وابن مسعود . وقيل { اللمم } اتيان الشيء من غير اقامة عليه قال الحسن : هو إصابة الفاحشة من غير إقامة للمبادرة بالتوبة . ثم أخبر عن نفسه تعالى بأنه واسع المغفرة للمذنبين بقوله { إن ربك } يا محمد { واسع المغفرة هم أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } يعني أنشأ أباكم آدم من أديم الأرض . وقال البلخي : يجوز ان يكون المراد به جميع الخلق ، من حيث خلقهم الله تعالى من الطبائع الاربع على حسب ما أجرى العادة من خلق الاشياء عند ضرب من تركيبها ، وخلق الحيوان عند تناول أغذية مخصوصة خلقها الله من الأرض ، فكأنه تعالى أنشأهم منها . وقوله { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } أي هو أعلم بكم في هذه الأحوال كلها لم يخف عليه من أحوالكم شيء منها . ثم نهاهم تعالى فقال { فلا تزكوا أنفسكم } أي لا تعظموها ولا تمدحوها بما ليس لها ، فاني أعلم بها { هو أعلم بمن اتقى } معاصيه وفعل طاعاته والفرق بينه وبين من خالفه . وقال قوم : نهاهم أن يزكوا انفسهم بفعل الواجبات ، وفعل المندوبات ، وترك القبائح لانه اقرب إلى النسك والخشوع . والأجنة جمع جنين . وهو الدفين فى الشيء قال الحارث : @ ولا شمطاء لم تترك شفاها لها من تسعة إلا جنينا @@ أي إلا دفينا فى قبره ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى } قال مجاهد : نزلت فى الوليد ابن المغيرة وكان أعطى قليلا من ماله لمن يتحمل عنه العذاب فى الآخرة . ثم منع ما ضمن له . وقيل : إن { الذي أعطى قليلا وأكدى } هو المنافق الذي يعطي قليلا فى المعونة على الجهاد ثم يمنع وقال ابن عباس ومجاهد : معنى { وأكدى } قطع العطاء ، كما يقطع البئر الماء واشتقاق ( اكدى ) من كدية الركية ، وهي صلابة تمنع الماء إذا بلغ الحافر اليها يئس من الماء ، فيقول بلغنا كديتها أي صلابتها التي تويئس من الماء ، يقال : اكدى يكدي إكداء إذا منع الخير ، وكديت اظفاره إذا غلظت ، وكديت أصابعه إذا كلت ، فلم تعمل شيئاً ، وكدى النبت إذا قل ريعه ، والاصل واحد . وقيل : الكدية صخرة يبلغ اليها حافر البئر فلا يمكنه الحفر . وقوله { أعنده علم الغيب فهوى يرى } إنكار على من ذكره ، وهو الذي تولى واعطى قليلا من ماله ليتحمل عنه خطأه ، فقال { أعنده علم الغيب فهو يرى } أي يعلم صدق الذي وعده ليتحمل خطاياه ؟ !