Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 14-21)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى إنه { خلق الإنسان } وأنشائه ويعني به آدم عليه السلام { من صلصال } وهو الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة - فى قول قتادة - { كالفخار } أي مثل الطين الذي طبخ بالنار حتى صار خزفا { وخلق الجان من مارج من نار } فالمارج هو المختلط الأجزاء ، قال الحسن أبليس ابو الجن ، وهو مخلوق من لهب النار ، كما أن آدم ابو البشر مخلوق من طين . وصف الله تعالى الانسان الذي هو آدم ابو البشر انه خلقه من صلصال . وفي موضع آخر { من طين لازب } وفي موضع آخر { من حمأ مسنون } وفى موضع آخر { خلقه من تراب } وإختلاف هذه الألفاظ لا تناقض فيها ، لانها ترجع إلى أصل واحد وهو التراب ، فجعله طيناً . ثم صار كالحمأ المسنون . ثم يبس فصار صلصالا كالفخار . وقوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } معناه فبأى نعم ربكما يا معشر الجن والانس تكذبان ؟ ! وإنما كررت هذه الآية ، لانه تقرير بالنعمة عند ذكرها على التفصيل نعمة نعمة . كأنه قيل بأى هذه الآلاء تكذبان . ثم ذكرت آلاء أخر فاقتضت من التذكير والتقرير بها ما اقتضت الأولى ليتأمل كل واحد فى نفسها وفى ما تقتضيه صفتها من حقيقتها التي تتفصل بها من غيرها . وقوله { رب المشرقين ورب المغربين } تقديره هو رب المشرقين ، فهو خبر ابتداء ، ولو قرىء بالخفض رداً على قوله { فبأى آلاء ربكما تكذبان } لكان جائزاً غير انه لم يقرأ به أحد . والمعنى انه الخالق لمشرق الشتاء ومشرق الصيف ، وهو عند غاية طول النهار فى الصيف وغاية قصره فى الشتاء { ورب المغربين } مثل ذلك - وهو قول مجاهد وقتادة وابن زيد - والمشرق موضع شروق الشمس ، وهو طلوعها تقول : شرقت الشمس تشرق شروقاً إذا طلعت واشرقت إذا أضائت وصفت . والمغرب موضع غروب الشمس . والغروب مصيرها فى حد الغروب وهو المغيب ، غربت تغرب غروباً ، ومنه الغريب وهو الصابر فى حد الغائب عن النفس وأصله الحد ومنه الغروب مجاري الدموع لزوالها من حدها إلى الحد الآخر . وقوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي فبأي نعمة ربكما معاشر الجن والانس تكذبان . وقد بينا الوجه فى تكراره . وواحد الآلاء ألى على وزن ( معاً ) و ( ألا ) على وزن ( قفا ) عن أبي عبيدة . وقوله { مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان } معنى مرج أرسل - فى قول ابن عباس . وقال الحسن وقتادة و ( البحران ) بحر فارس والروم . وقال ابن عباس فى رواية أخرى هما بحر السماء وبحر الارض { يلتقيان } فى كل عام . وقيل البحران الملح والعذب . وقيل : مرج البحرين خلط طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتها { لا يبغيان } أي لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يقلبه إلى مثل حاله فى الملوحة والعذوبة . ومرج معناه أرسل باذهاب الشيئين فصاعداً فى الارض ، فمرج البحرين أرسلهما بالاجراء في الارض يلتقيان ، ولا يختلطان ، ذلك تقدير العزيز العليم . والبرزخ الحاجز بين الشيئين ، ومنه البرزخ الحاجز بين الدنيا والآخرة . وقال قتادة : البرزخ الحاجز أن يبغي الملح على العذب أو العذب على الملح . وقال مجاهد : معناه لا يبغيان لا يختلطان ومعناه لا يبغيان على الناس . والنعمة بتسخير الشمس أنها تجري دائبة بمنافع الخلق فى الدنيا والدين ، فبأي آلاء ربكما تكذبان معاشر الجن والانس .