Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 62-70)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو بكر { أإنا لمغرمون } على الاستفهام . الباقون على الخبر . يقول الله تعالى مخاطبا للكفار الذين أنكروا النشأة الثانية ، ومنبهاً لهم على قدرته عليها ، فقال { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } وتفكرون وتعتبرون بأن من قدر عليها قدر على النشأة الثانية . والنشأة المرة من الانشاء ، كالضربة من الضرب ، والانشاء إيجاد الشيء من غير سبب يولده ، ومثله الاختراع والابتداع . ثم نبههم على طريق غيره فقال { أفرأيتم ما تحرثون } من الزرع { أأنتم تزرعونه } أي أأنتم تنبتونه وتجعلونه رزقاً { أم نحن الزارعون } فان من قدر على إنبات الزرع من الحبة الحقيرة وجعلها حبوباً كثيرة قدر على إعادة الخلق إلى ما كانوا عليه . وقوله { لو نشاء لجعلناه } يعني ذات الزرع { حطاماً } أي هشيماً لا ينتفع به فى مطعم ولا غذاء لفعلنا . وقوله { فظلتم تفكهون } معناه قال ابن عباس ومجاهد وقتادة - فى رواية عنه - تعجبون . وقال الحسن وقتادة - فى رواية - فظلتم تندمون أي لو جعلناه حطاماً لظلتم تندمون . والمعنى إنكم كنتم تتروحون إلى التندم ، كما تتروح الفكه إلى الحديث بما يزيل الهم ، وأصله التفكه تناول ضروب الفاكهة للأكل . وقوله { إنا لمغرمون } المغرم الذي ذهب ما له بغير عوض عنه . وأصله ذهاب المال بغير عوض ، فمنه الغريم لذهاب ما له بالاحتباس على المدين من غير عوض منه فى الاحتباس ، والغارم الذي عليه الدين الذي يطالبه به الغريم . ومنه قوله { إن عذابها كان غراماً } أي ملحاً دائماً كالحاح الغريم . وقال الحسن : هو من الغرم . وقال قتادة معنى { لمغرمون } لمعذبون ، قال الاعشى : @ إن يعاقب يكن غراماً وإن يعـ ـط جزيلا فانه لا يبالي @@ أي يكن عقابه عذاباً ملحاً كالحاح الغريم . وقال الراجز : @ يوم النسار ويوم الجفار كانا عذابا وكانا غراماً @@ أي ملحاً كالحاح الغريم ، وحذف يقولون إنا لمغرمون ، لدلالة الحكاية . وقال : معنى لمغرمون محدودون عن الخط . وقال قتادة محارفون . وقال مجاهد - فى رواية أخرى - إنا لمولع بنا . وفى رواية غيره عنه معناه إنا لملقون فى الشر . ومن قرأ { أإنا لمغرمون } على الاستفهام حمل على أنهم يقرعون ويقولون منكرين . أإنا لمغرمون ؟ ! ومن قرأ على الخبر حمله على أنهم مخبرون بذلك عن انفسهم . ثم يستدركون فيقولون لا { بل نحن محرومون } مبخوسون بحظوظنا محارفون بهلاك زرعنا . ثم قال لهم منبهاً على دلالة اخرى فقال { أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } والمعنى إنه تعالى امتن عليهم بما انعم عليهم من انزال الماء العذب { من المزن } يعني السحاب ليشربوه وينتفعوا به ، فقال لهم { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } له عليكم نعمة منا عليكم ورحمة بكم . ثم قال { لو نشاء جعلناه أجاجاً } قال الفراء : الأجاج المر الشديد المرارة من الماء . وقال قوم : الاجاج الذي اشتدت ملوحته { فلولا تشكرون } أي فهلا تشكرون على هذه النعمة التي لا يقدر عليها غير الله ، وعلمتم بذلك ان من قدر على ذلك قدر على النشأة الاخرى فانها لا تتعذر عليه كما لا يتعذر عليه هذه النعم .