Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ { وما نزل من الحق } بتخفيف الزاي نافع وحفص عن عاصم ، لانه يقع على القليل والكثير ، ويكون النزول مضافاً إلى الحق . الباقون بالتشديد بمعنى أن الله هو الذى نزل الحق شيئاً بعد شيء . وقرأ ابن كثير وابو بكر عن عاصم وابن زيد { المصدقين والمصدقات } بتخفيف الصاد يذهبون إلى التصديق الذى هو خلاف التكذيب ، ومعناه إن المؤمنين والمؤمنات . الباقون - بتشديد الصاد - يذهبون أن الأصل المتصدقين ، فادغمت التاء في الصاد لتقارب مخرجهما وشدد . ومعنى قوله { ألم يأن } ألم يحن { للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } أى تخضع لسماع ذكر الله ويخافون عقابه ، وينبغي ان يكون هذا متوجهاً إلى طائفة مخصوصة لم يكن فيهم الخشوع التام حثوا على الرقة والرحمة . وأما من كان ممن وصفه الله بالخشوع والرحمة والرقة فطبقة فوق هؤلاء المؤمنين ، ويقال أنى يأني أناً إذا حان ، ومنه قوله { غير ناظرين إناه } أى منتهاه . والخشوع لين القلب للحق بالآنقياد له ، ومثله الخضوع وضده قسوة القلب . والحق ما دعا اليه العقل وهو الذى من عمل به نجا ومن عمل بخلافه هلك ، والحق مطلوب كل عاقل في نظره وإن اخطأ طريقه ، والقسوة غلظ القلب بالجفاء عن قبول الحق ، قسا قلبه يقسو قسوة ، فهو قاس . { وما نزل من الحق } من خفف اضاف النزول إلى الحق ومن شدد اراد ما نزله الله من الحق { ولا يكونوا } أى وألا تكونوا { كالذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى { من قبل } أى من قبلهم فيكون موضعه نصباً . ويحتمل ان يكون مجزوماً على النهي { فطال عليهم الأمد } يعني المدة والوقت ، فان أهل الكتاب لما طال عليهم مدة الجزاء على الطاعات { فقست قلوبهم } حتى عدلوا عن الواجب وعملوا بالباطل . وقيل : معناه طال عليهم الأمد ما بين زمانهم وزمن موسى . وقيل : طال عليهم الامد ما بين نبيهم وزمن موسى . وقيل طال أمد الآخرة { فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } خارجون عن طاعة الله تعالى إلى معصيته فلا تكونوا مثلهم فيحكم الله فيكم بمثل ما حكم فيهم . ثم قال { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها } بالجدب والقحط فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الايمان بعد موته بالضلال بأن يلطف له ما يؤمن عنده . ثم قال { قد بينا لكم الآيات } يعني الحجج الواضحات والدلائل البينات { لعلكم تعقلون } أى لكي تعقلوا وترجعوا إلى طاعته وتعملوا بما يأمركم به . وقوله { إن المصدقين والمصدقات } من شدد أراد المتصدقين إلا انه ادغم التاء في الصاد ، ومن خفف اراد الذين صدقوا بالحق { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } أى انفقوا ما لهم في طاعة الله وسبيل مرضاته . ثم بين ما أعد لهم من الجزاء فقال { يضاعف لهم } أي يجازون بأمثال ذلك . ومن شدد العين اراد التكثير ، لأن الله تعالى يعطي بالواحد عشراً إلى سبعين إلى سبع مئة ، ثم قال { ولهم أجر كريم } أي لهم جزاء وثواب مع إكرام الله إياهم وإجلاله لهم . ثم قال { والذين آمنوا بالله ورسله } يعني الذين صدقوا بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وأقروا بنبوة رسله { أولئك هم الصديقون } الذين صدقوا بالحق . ثم قال مستأنفاً { والشهداء عند ربهم } قال ابن عباس ومسروق وابو الضحى والضحاك : هو منفصل مما قبله مستأنف والمراد بالشهداء الانبياء عليهم السلام ويجوز ان يكون معطوفاً على ما تقدم وتقديره أولئك هم الصديقون وأولئك هم الشهداء ، ويكون لهم أجرهم ونورهم للجماعة من الصديقين والشهداء ، فكانه قال : كل مؤمن شهيد على ما رواه البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله وعن عبد الله بن مسعود ومجاهد ، فيكون التقدير أولئك هم الصديقون عند ربهم والشهداء عند ربهم . ثم قال { لهم أجرهم ونورهم } أي لهم ثواب طاعاتهم ونور إيمانهم الذي يهتدون به إلى طريق الجنة . ثم قال { والذين كفروا } بالله وجحدوا توحيده وكذبوا رسله { وكذبوا بآياتنا } يعني حججه وبيناته { أولئك أصحاب الجحيم } يعني إنهم يلزمهم الله الجحيم فيبقون فيها دائمين . ثم زهد المؤمنين فى الدنيا والسكون إلى لذاتها ، فقال { اعلموا } معاشر العقلاء والمكلفين { أنما الحياة الدنيا } يعني فى هذه الدنيا { لعب ولهو } لانه لا بقاء لذلك ولا دوام وإنه يزول عن وشيك كما يزول اللعب واللهو { وزينة } تتزينون بها فى الدنيا { وتفاخر بينكم } يفتخر بعضكم على بعض { وتكاثر في الأموال والأولاد } أي كل واحد يقول مالي أكثر وأولادي اكثر . ثم شبه ذلك بأن قال مثله فى ذلك { كمثل غيث } يعني مطراً { أعجب الكفار نباته } أي اعجب الزراع ما نبت بذلك الغيث فالكفار الزراع . وقال الزجاج : ويحتمل ان يكون المراد الكفار بالله لأنهم اشد إعجاباً بالدنيا من غيرهم { ثم يهيج } أي ييبس فيسمع له لما تدخله الريح صوت الهائج { فتراه مصفراً } وهو إذا قارب اليبس { ثم يكون حطاماً } أي هشيماً بأن يهلكه الله مثل افعال الكافر بذكل ، فانها وإن كانت على ظاهر الحسن فان عاقبتها إلى هلاك ودمار مثل الزرع الذي ذكره . ثم قال وله مع ذلك { وفي الآخرة } { عذاب شديد } من عذاب النار للعصاة والكفار { ومغفرة من الله ورضوان } للمؤمنين المطيعين . ثم قال { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } معناه العمل للحياة الدنيا متاع الغرور وإنها كهذه الاشياء التي مثل بها فى الزوال والفناء ، والغرور - بضم الغين - ما يغر من متاع الدنيا وزينتها .