Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخبراً ان جميع ما في السموات والارض يسبح له . وقد بينا فى غير موضع معنى التسبيح وانه التنزيه له عن الصفات التى لا تليق به . فمن كان من العقلاء عارفاً به فانه يسبحه لفظاً ومعنى ، وما ليس بعاقل من سائر الحيوان والجمادات فتسبيحها ما فيها من الآية الدالة على وحدانيته وعلى الصفات التي باين بها جميع خلقه ، وما فيها من الحجج على أنه لا يشبه خلقه وأن خلقه لا يشبهه ، ذلك بالتسبيح . وإنما كرر ذكر التسبيح فى غير موضع من القرآن لانعقاده لمعان مختلفة لا ينوب بعضها مناب بعض ، فمن ذلك قوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } فهذا تسبيح بحمد الله وأما { سبح لله ما في السماوات والأرض } فهو تسبيح بالله { العزيز الحكيم } فكل موضع ذكر فيه فلعقده بمعنى لا ينوب عنه غيره منابه ، وإن كان مخرج الكلام على الاطلاق { والعزيز الحكيم } معناه المنيع بأنه قادر لا يعجزه شيء العليم بوجوه الصواب فى التدبير ، ولا تطلق صفة { العزيز الحكيم } إلا فيه تعالى ، لانه على هذا المعنى . وقوله { له ملك السماوات والأرض } اخبار بأن له التصرف فى جميع ما فى السموات والارض وليس لاحد منعه منه ولا أن احداً ملكه ذلك وذاك هو الملك الاعظم ، لان كل ما عداه فما يملكه ، فان الله هو الذي ملكه إياه ، وله منعه منه . وقوله { يحيي ويميت } معناه يحيي الموات ، لأنه يجعل النطفة وهي جماد حيواناً ويحييها بعد موتها يوم القيامة ، ويميت الاحياء إذا بلغوا آجالهم التي قدرها لهم { وهو على كل شيء قدير } أي كل ما يصح ان يكون مقدوراً له ، فهو قادر عليه . وقوله { هو الأول والآخر } قيل فى معناه قولان : احدهما - قال البلخي إنه كقول القائل : فلان اول هذا الأمر وآخره وظاهره وباطنه أي عليه يدور الأمر وبه يتم . الثاني - قال قوم : هو أول الموجودات لانه قديم سابق لجميع الموجودات وما عداه محدث . والقديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من تقدير الاوقات . والآخر بعد فناء كل شيء ، لانه تعالى يفني الأجسام كلها وما فيها من الاعراض ، ويبقى وحده ففي الآية دلالة على فناء الاجسام . وقوله { الظاهر والباطن } قيل فى معناه قولان : احدهما - انه العالم بما ظهر وما بطن . الثاني - انه القاهر لما ظهر وما بطن من قوله تعالى { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } ومنه قوله { ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } وقيل : المعنى إنه الظاهر بادلته الباطن من أحساس خلقه { وهو بكل شيء عليم } ما يصح ان يكون معلوماً ، لانه عالم لنفسه . ثم اخبر تعالى عن نفسه فقال { هو الذي خلق السماوات والأرض } أي اخترعهما وانشأهما { في ستة أيام } لما فى ذلك من اعتبار الملائكة بظهور شيء بعد شيء من جهة ولما فى الاخبار به من المصلحة للمكلفين ولولا ذلك لكان خلقها فى لحظة واحدة ، لأنه قادر على ذلك من حيث هو قادر لنفسه . وقوله { ثم استوى على العرش } أي استولى عليه بالتدبير قال البعيث . @ ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق @@ وهو بشر بن مروان ، لما ولاه اخوه عبد الملك بن مروان . وقيل : معناه ثم عمد وقصد إلى خلق العرش ، وقد بينا ذلك فيما تقدم . ثم قال { يعلم ما يلج في الأرض } أي ما يدخل فى الارض ويستتر فيها ، فالله عالم به لا يخفى عليه منه شيء { وما يخرج منها } أي ويعلم ما يخرج من الارض من سائر النبات والحيوان والجماد ولا يخفى عليه شيء { وما ينزل من السماء } أي ويعلم ما ينزل من السماء من مطر وغير ذلك من انواع ما ينزل منها لا يخفى عليه شيء منها { وما يعرج فيها } أي ويعلم ما يعرج في السماء من الملائكة وما يرفع اليها من أعمال الخلق { وهو معكم } يعني بالعلم لا يخفى عليه حالكم وما تعملونه { والله بما تعملون بصير } من خير وشر أي عالم به . ثم قال { له ملك السماوات والأرض } أي له التصرف فيهما على وجه ليس لاحد منعه منه { وإليه ترجع الأمور } يوم القيامة . والمعنى أن جميع من ملكه شيئاً في دار الدنيا يزول ملكه ولا يبقى ملك أحد ، ويتفرد تعالى بالملك ، فذلك معنى قوله { وإليه ترجع الأمور } كما كان كذلك قبل أن يخلق الخلق .