Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 6-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو عمرو وحده { وقد أخذ ميثاقكم } بضم الألف ، على ما لم يسم فاعله . الباقون - بالفتح - بمعنى واخذ الله ميثاقكم ، وقرأ ابن عامر ووحده { وكل وعد الله الحسنى } بالرفع ، وهي في مصاحفهم بلا الف جعله مبتدءاً وخبراً وعدّى الفعل إلى ضميره ، وتقديره : وكل وعده الله الحسنى ، كما قال الراجز : @ قد اصبحت أم الخيار تدعي عليّ ذنباً كله لم أصنع @@ أي لم اصنعه ، فحذف الهاء . الباقون بالنصب على أنه مفعول { وعد الله } وتقديره وعد الله كلاً الحسنى ، ويكون { الحسنى } في موضع نصب بأنه مفعول ثان وهو الأقوى . معنى قوله { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } أي إن ما ينقص من الليل يزيده في النهار ، وما ينقص من النهار يزيده في الليل حسب ما قدره على علم من مصالح عباده . وقيل : إن معناه إن كل واحد منهما يتعقب صاحبه { وهو عليم بذات الصدور } ومعناه هو عالم بأسرار خلقه وما يخفونه في قلوبهم من الضمائر والاعتقادات لا يخفى عليه شيء منها . ثم امر تعالى المكلفين فقال { آمنوا بالله } معاشر العقلاء وصدقوا نبيه وأقروا بوحدانيته واخلاص العبادة له ، وصدقوا رسوله ، واعترفوا بنبوته { وأنفقوا } في طاعة الله والوجوه التي أمركم الله بالانفاق فيها { مما جعلكم مستخلفين فيه } قال الحسن : معناه ما استخلفكم فيه بوراثتكم اياه عمن كان قبلكم . ثم بين ما يكافيهم به اذا فعلوا ذلك ، فقال { فالذين آمنوا منكم } بما أمرتهم بالايمان به { وأنفقوا } مما دعوتهم الى الانفاق فيه { لهم مغفرة } من الله لذنوبهم { وأجر كبير } أي وثواب عظيم . ثم قال الله تعالى على وجه التوبيخ لهم { وما لكم } معاشر المكلفين { لا تؤمنون بالله } وتعترفون بوحدانيته واخلاص العبادة له { والرسول يدعوكم } إلى ذلك { لتؤمنوا بربكم } أي لتعترفوا به وتقروا بوحدانيته { وقد أخذ ميثاقكم } معناه إنه لما ذكر تعالى دعاء الرسول الى الايمان بين انه قد اخذ ميثاقكم ايضاً به ، ومعنى اخذ ميثاقكم انه نصب لكم الأدلة الدالة إلى الايمان بالله ورسوله ورغبكم فيه وحثكم عليه وزهدكم في خلافه ، ومعنى { إن كنتم مؤمنين } اي إن كنتم مؤمنين بحق فالايمان قد ظهرت أعلامه ووضحت براهينه : ثم قال { هو الذي ينزل على عبده } يعني ان الله تعالى هو الذي ينزل على محمد صلى الله عليه وآله { آيات بينات } أى حججاً وادلة واضحة وبراهين نيرة { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } ومعناه فعل بكم ذلك ليخرجكم من الضلال الى الهدى - في قول مجاهد وغيره - وفي ذلك دلالة على بطلان قول المجبرة : إن الله تعالى خلق كثيراً من خلقه ليكفروا به ويضلوا عن دينه . وإنما اخرجهم من الضلال الى الهدى بما نصب لهم من الأدلة التي إذا نظروا فيها افضى بهم الى الهدى والحق ، فكأنه اخرجهم من الضلال ، وإن كان الخروج من الضلال الى الهدى من فعلهم ، وسمى الدلالة نوراً ، لانه يبصر بها الحق من الباطل ، وكذلك العلم ، لانه يدرك به الامور كما تدرك بالنور ، فالقرآن بيان الاحكام على تفصيلها ومراتبها . وقوله { إن الله بكم لرؤف رحيم } اخبار منه تعالى أنه بخلقه رؤف رحيم . والرأفة والرحمة من النظائر . وقوله { وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله } استبطأهم فى الانفاق فى سبيل الله الذي رغبهم بالانفاق فيها . وقوله { ولله ميراث السماوات والأرض } قد بينا أن جميع ما يملكونه فى الدنيا يرجع الى الله ، ويزول ملكهم عنه ، فان أنفقوه كان ثواب ذلك باقياً لهم . وقوله { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل … } بين الله تعالى أن الانفاق قبل الفتح فى سبيل الله إذا انضم اليه الجهاد فى سبيله أكثر ثواباً عند الله ، والمراد بالفتح فتح مكة وفي الكلام حذف ، لأن تقديره لا يستوى هؤلاء مع الذين أنفقوا بعد الفتح ، والكلام يدل عليه . وإنما امتنع مساواة من انفق بعده لمن انفق قبله ، لعظم العناية الذي لا يقوم غيره مقامه فيه ، فى الصلاح فى الدين وعظم الانتفاع به ، كما لا يقوم دعاء غير النبي صلى الله عليه وآله الى الحق مقام دعائه ولا يبلغه أبداً ، وليس فى الآية دلالة على فضل انسان بعينه ممن يدعى له الفضل ، لأنه يحتاج أن يثبت ان له الانفاق قبل الفتح ، وذلك غير ثابت . ويثبت أن له القتال بعده . ولما يثبت ذلك ايضاً فكيف يستدل به على فضله . فأما الفتح فقال الشعبي : أراد فتح الحديبية . وقال زيد بن اسلم ، وقتادة : أراد به فتح مكة . ثم سوى تعالى بين الكل فى الوعد بالخير والجنة والثواب فيها - وإن تفاضلوا فى مقاديره - فقال { وكلا وعد الله الحسنى } يعني الجنة والثواب فيها { والله بما تعملون خبير } لا يخفى عليه شيء من ذلك من انفاقكم وقتالكم وغير ذلك فيجازيكم بحسب ذلك .