Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 11-15)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ عاصم وحده { تفسحوا في المجالس } على الجمع لاختلافها ، الباقون فى { المجلس } على التوحيد ، لأنهم ذهبوا مذهب الجنس ، لانه مصدر يدل على القليل والكثير . لأنهم ارادوا مجلس النبي صلى الله عليه وآله فعلى هذا الوجه الافراد . ومن جمع أراد كل جالس مجلساً أي موضع جلوس ، وقرأ { انشزوا } بضم الشين نافع وابن عامر وعاصم إلا حماداً ويحيى عن ابي بكر . الباقون بكسر الشين وهما لغتان مثل ( يعرشون ويعرشون ، ويعكفون ويعكفون ) . يقول الله تعالى مخاطباً للمؤمنين وآمراً لهم بأنه إذا قيل لهم تفسحوا فى المجلس بمعنى اتسعوا فيها ، يقال : تفسح تفسحاً وله فى هذا الأمر فسحة أي متسع . والتفسح الاتساع فى المكان ، وفسح له فى المجلس يفسح فسحاً . ومكان فسيح وفسح . والتفسيح والتوسع واحد . قال قتادة : كانوا يتنافسون فى مجلس النبي صلى الله عليه وآله فقيل لهم تفسحوا وقال ابن عباس : أراد به مجلس القتال { فافسحوا } أي وسعوا { يفسح الله لكم } أي يوسع عليكم منازلكم فى الجنة { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } أي إذا قيل لكم ارتفعوا فى المجلس فارتفعوا ، والنشوز الارتفاع عن الشيء بالذهاب عنه . ومنه نشوز المرأة عن زوجها ، يقال : نشز ينشز نشوزاً ونشزاً . قال قتادة ومجاهد والضحاك : معناه إذا قيل قوموا إلى صلاة او قتال عدّو أو أمر بمعروف أي تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقوموا . وقوله { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } معناه متى ما فعلتم ما أمرتم به رفع الله الذين آمنوا منكم ، ورفع الذين أوتوا العلم درجات ، لأنهم احق بالرفعة . وفى ذلك دلالة على ان فعل العالم اكثر ثواباً من فعل من ليس بعالم { والله بما تعملون } من التفسح والنشوز وغير ذلك { خبير } أي عالم . ثم خاطبهم ايضاً فقال { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول } أي شاورتموه { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } قال الزجاج : كان سبب نزول الآية ان الاغنياء كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وآله فيشاورونه بما يريدون ، والفقراء لا يتمكنون من النبي تمكنهم ، ففرض الله عليهم الصدقة قبل النجوى ليمتنعوا من ذلك ، وتعبدهم بأن لا يناجي احد رسول الله إلا بعد ان يتصدق بشيء ما قل او كثر ، فلم يفعل احد ذلك على ما روي ، فاستقرض أمير المؤمنين علي عليه السلام ديناراً وتصدق به ، ثم ناجى النبي صلى الله عليه وآله ، فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بالآية التي بعدها . وقوله { ذلك خير لكم وأطهر } أي ذلك التصديق بين يدي النبي صلى الله عليه وآله خير لكم واطهر ومعناه إن فعل ذلك ادعى الى مجانبة المعاصي من تركه . ثم قال قل لهم { فإن لم تجدوا } يعني ما تتصدقون به { فإن الله غفور رحيم } يستر عليكم ترك ذلك ويرحمكم وينعم عليكم . ثم قال ناسخاً لهذا الحكم { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } وظاهر هذا الكلام توبيخ على ترك الصدقة ، وانهم تركوا ذلك اشفاقاً وخوفاً على نقصان المال ، فقال { فإذ لم تفعلوا } ذلك { وتاب الله عليكم } في تقصيركم في فعل الصدقة { فأقيموا الصلاة } التي اوجبها الله عليكم واديموا فعلها وادوا شروطها { وآتوا الزكاة } التي افترضها عليكم { وأطيعوا الله ورسوله } فيما أمركم به ونهاكم عنه { والله خبير بما تعملون } أى عالم بما تعملونه من طاعة لله او معصية وحسن وقبيح ، فيجازيكم بحسبه . ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { ألم تر } يا محمد { إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم } والمراد به قوم من المنافقين ، كانوا يوالون اليهود ويغشون اليهم أسرارهم ويجتمعون معهم على ذكر مساءة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين - وهو قول قتادة وابن زيد - ثم قال { ما هم منكم } أى ليسوا مؤمنين { ولا منهم } أي ولا هم يهود ، فيكونوا منهم بل هم قوم منافقون . ثم قال { ويحلفون } يعني هؤلاء المنافقون { على الكذب } يعني يقولون إنا معكم ونحن نتوب ، وليسوا كذلك { وهم يعلمون } انه كذلك . ثم بين تعالى ما لهم من العقاب فقال { أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون } أي لأنهم كانوا يعملون المعاصي والقبائح .